(2)

741 52 10
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

وقبل أن يجيبها المحقّق عقب كلماتها البائسة تفاجأت بخطواتٍ قادمة من آخر الممر المقابل لغرفة العناية المركّزة ثمّ رائحة عطرٍ رجوليةٍ قوية تعرفها جيدًا، بمجرد أن غزت أنفها استنفرت بغضبٍ، أغلقت مصحفها برفقٍ ثمّ نهضت واقفةً وعيناها تلقيان حممًا نحو ذلك الآتي وكأنّها جندي أخذ كافّة استعداداته للقاء العدو... فقط ينتظر أوامر القائد!

وضعت المصحف على الكرسي ثمّ عقدت ساعدَيها أمام صدرها وبدأت تهتزُّ بكلِّ جسدها متوعّدةً له حتى اتضحت معالمه الوسيمة، توقّف الشّاب أمام الأمِّ مباشرةً بقسمات وجهه الهادئة، التفتَ بزرقائيتَيه بين هذَين الواقفَين في لحظةٍ دون اكتراث ثمّ عاد مستديرًا نحوها وأردف: مرحبًا أمّي!

فنهرته بعنفٍ: لستُ أمّك!

فتابع بهدوءٍ حدّ الاستفزاز: إذن، كيف حال فريدة الآن يا خالة؟

فتابعت بنفس غلظتها: ولستُ خالتك!

-حيّرتيني إذن، كنتُ أُناديكِ في السّابق بخالتي ثمّ يا أمّي، بماذا أُناديكِ الآن؟!

فجزّت على نواجزها ثمّ أجابته بحنقٍ: لا تناديني بأي اسم، بل لا نريد معرفتك من الأساس، أمّا عن السّابق فكان أسوأ ما حدث لنا مجرد معرفتك واقتحامك حياتنا...

سكتت قليلّا تلتقطُ أنفاسها ثمّ أكملت: لا أدري حقيقةً بأي وصفٍ أصفك؟! هل أنت إنسان؟! بل هل أنت كائنٌ حيّ من الأساس يجري في عروقك دمًّا؟! ربما لو كنتَ حيوانًا لكان أفضل لك، بل هي إهانة للحيوانات، ترى هل تملك عروقًا يجري فيها دماء! لا أعتقد هذا من الأساس، بل أقسم لكَ أنّ الحجارة والجماد لأفضل منك!

فأجابها بضيقٍ: لا ينبغي لكِ أن تهينيني وتتحدثين معي بهذه اللّهجة المقلّلة لشأني!

-وهل لك شأنٌ من الأساس؟! ما الّذي جاء بك يا هذا؟

تنحنح قليلًا ماسحًا على طرف شعره المصفف بحرفية ثمّ قال: بالطّبع جئتُ للاطمئنان عن فريدة وكيف آلت أمورها الآن؟

-لا شأن لك بها من الأساس!

-لكن...

-لا أصدقك بحقٍّ! كيف تمتلك الجرأة أن تكون المتسبّب الأول لما حدث لها ثمّ تجئ بمنتهى الوقاحة مرّة أخرى؟!

ردّ عليها بترددٍ واضح: هو حقّها عليّ، ألم نكن صديقَين؟

فأومأت الأمّ نافية: لا، لم يحدث، ولا أرى داعٍ للمماطلة، بل لا أرى أي داعٍ لزيارتك أو استمرار وجودك في حياتنا، هيا اغرب عن وجهي وعُد من حيث أتيتَ!

-ربما يكون لفريدة فور استيقاظها من غيبوبتها رأيًّا آخر!

زفرت الأمّ بغضبٍ من شدة تبلّده وتابعت: أنا الآن صاحبة الرّأي، ولو كنتَ آخر رجلًا في الدّنيا ولا يوجد غيرك في حياتنا سأظلّ أطردك وربما فعلتُ شيئًا آخر إن أثرتَ غضبي أكثر من هذا!

(مكيدة قلبية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن