(3)

598 41 6
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

مرّ اليوم وتبعه بضع أيامٍ على نفس الوتيرة، حيث تجلس الأمّ منتظرةً المزيد من بريق الأمل، أمّا فريدة فلا تزال خاضعةً للمهدّئات ومضادات الاكتئاب كما أخبرها الطّبيب، فعندما تستعيد وعيها لدقائق معدوداتٍ ثمّ تبدأ بمحاولاتِ الصّراخِ أو الهياج لا تلبث أن تسقط في سباتها بفعل العقاقير... لكن الأمر قطعًا لا يمكن أن يستمر على هذه الوتيرة أكثر من ذلك، في انتظار أن تُترك مستيقظةً بوعيها.

كانت تتابعها أمّها متحسّرةً منتظرةً الفرج من حيث لا تدري، حتى إنّها كانت تشرد في مواقفٍ سابقة...

تذكّرت ذلك اليوم الّذي دخلت فيه على ابنتها في حجرتها منذ سنواتٍ...

كانت فريدة جالسةً على مكتبها تعدُّ بعض الأوراق النّقدية ثمّ تكتب شيئًا ما في دفترٍ جانبي وقت دخلتُ إليها حاملةً صينية كبيرة بها كوبَين من الشّاي بالحليب مع طبقٍ من (السّندوتشات) فوضعتُها جانبًا ثمّ جلستُ وابتسمتُ، تنحنحتُ قليلًا ثمّ قلتُ مشاكسةً: ماذا تفعل ابنتي الحلوة؟ كأن موعد عيد الأمّ قد اقترب!

فرفعت فريدة سودائيتَيها الحوريتَين ضاحكةً بخفّةٍ ثمّ أجابتني: لا تقلقي يا غالية، ما ادخرته لأجل هدية عيد الأمّ لم أمسسه نهاييًّا... وأخفيه في مكانٍ خفيّ.

فتابعتُ بتصنّعٍ: حمدًا لله! ضمنتُ هديتي إذن!

ثمّ ضحكنا بينما أكملت فريدة: إنّه موعد معرض الكتاب يا أمّي، وكما تدري أقوم بتسجيل قائمة بالكتب الّتي أنوي شرائها.

-كأنّكِ لا تملِّي من شراء الكتب!

-يا أمّي بل عليكِ قول أنّني لا أملُّ القراءة من الكتب.

-وبالطّبعِ المزيد من الكتب لأديبك المفضّل!

-مؤكّد أمّي، لكن ليس بالطّبع الوحيد، بل هناك عدد من الكتب لكُتّابٍ آخرين.

أمسكتُ كوب الشّاي فارتشفتُ منه رشفةً ثمّ قضمتُ قطعةً من (السّندوتش) ثمّ سألتُها: ألم تنتهي من قراءة كلّ كتبه بعد؟

فأومأت فريدة وهي تعبث بأطراف شعرها الأسود المموّج من ذيل الحصان الخلفي وأجابتني: نهائيًّا أمّاه، إنّ لهذا الأديب عددًا كبيرًا من الكتب؛ حيث أنّ مسيرته الأدبية استمرت لأعوامٍ عديدة، لذلك لم أنتهي بعد من قراءة مجمل أعماله، حقيقةً له أسلوب جذّاب وكلماتٍ وتعبيراتٍ ساحرة وآسرة، لا أصدّق بحقٍّ كم المشاعر الّتي أجدها وسط كلماته! تدري يا أمّي أظنُّني لو قابلتُ يومًا كاتبًا كهذا سأسقطُ في هاوية عشقه وأقول له ولهةً زوّجتُّكَ نفسي.

ابتسمتُ زافرةً باستخفافٍ قائلة: ساذجةٌ وبلهاء!

ثمّ ارتشفتُ رشفةً أخرى من كوبي فضحكت فريدة بملء صوتها معقّبة: لا تقلقي ناديتي فأنا أمزح طبعًا هي مجرد ثرثرة فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع، يجب عليّ أن أكون أكثر حكمة وتعقّلًا.

(مكيدة قلبية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن