بقلم نهال عبد الواحد
نهضت فريدة متّجهةً إلى باب الشّقة لفتحه، بعد أن سمعت جرس الباب! وهي تعدّل بيدها أكمام منامتها الوردية ثمّ خلّلت بيدَيها بين خصلات شعرها الأسود، لم يكن لديها أي تصوّر عن مَن يكون الزّائر! لكن ذهب أغلب ظنّها إلى حارس العقار أو امرأته؛ فلا زال الوقت ضُحًى ولم يحين حتى وقت الهاجرة.
أدارت مقبض الباب فاتسعت عيناها من فرط المفاجأة! ظلّت مكانها دون أي حركة كأنّما جمدت في أرضها، بل أنّ أنفاسها ونبضاتها صارت أكثر تباطؤًا لدرجة أن كادت تهوي أرضًا فاقدةً وعيها فتماسكت متشبّثةً في مقبض الباب كي تبدو أكثر طبيعية.
فصدع صوتٌ رجوليٌّ كسر هذا الصّمت: هل سأظلُّ واقفًا هكذا أمام الباب؟!
فأطالت النّظر إليه دون أن تعقّب مخلّلةً أصابعها وسط خصلات شعرها القصيرة، ثمّ تراجعت بضع خطوات للخلف سامحةً له بالدّخول ولم يُسمع إلّا صوت تنهيدة تسلّلت منها.
فقال مبتسمًا: لقد قصّرتِ شعرك أخيرًا!
فقلبت عينَيها واستدارت بوجهها عنه زافرةً، فأكمل: لكنّك جميلة مهما كان طول شعرك، رائعة في كلِّ أحوالك! بل لا مثيل لكِ في كلّ حركاتك وسكناتك!
فتقدّم بجرأةٍ غير متوقّعةٍ بالدّخول غالقًا الباب خلفه ثمّ مدّ يديه بباقة من الورود الحمراء، رائعة الجمال، فالتفتت عينا فريدة نحو الباقة بإعجابٍ شديد لم تستطع إخفاءه، فقال لها مقدّمًا باقة الورد: الورد لأجمل وردة.
فتردّدت قليلًا ثمّ مدّت يدها آخذةً الباقة هامسةً: شكرًا لك.
لكنّه فاجأها برسالةٍ من رسائل جبران إلى مي زيادة، والّتي يدري جيدًا قيمتها لديها وتأثيرها عليها وهو يقولها بلطفٍ شديد: «ما قولكِ في رجلٍ يستيقظ من غفلته صباحًا فيجد إلى جانب فراشه رسالة من صديقة يحبها فيقول بصوت عالٍ: «صباح الخير، أهلًا وسهلًا!» ثم يفتح الرّسالة بلجاجةِ العطشان، فماذا يجد؟ لا أكثر ولا أقل من قصيدة جغرافية لشوقي بكِ.»
فردّتُ عليه تلقائيًّا كأنّما سقطت تحت تأثير إحدى التّعويذات السّحرية، ردّت بأخرى من رسائل مي على جبران وكان صوتها مرتعشًا بوضوحٍ مع نبضات قلبها العاتية الّتي عادت كما كانت، كأنّ شيئًا لم يحدث: «ما معنى هذا الّذي أكتبُه؟ لا أعرف ما أعنيه به. لكنّي أعلم أنّك حبيبي وأخاف من الحبِّ. أتوقع الحبَّ كثيرًا وأخشى أنّه لن يجلب لي كل ما أنتظره. أقول هذا وأنا أعلم أن في القليل هناك الكثير من الحبِّ، لكن القليل من الحبِّ لا يرضيني. الجفاف والجفاف ولا شيء أفضل من القليل.»
قالتها بنفس مشاعرها وأشواقها السّابقة وسودائيَتاها تعانق زرقائيَتَيه؛ فانتهزها فرصةً ليطرق على الحديد وهو ساخن وأكمل: «تقولين لي أنّكِ تخافين الحبَّ، لماذا تخافينه يا صغيرتي؟ أتخافين نور الشّمس؟ أتخافين مدَّ البحر؟ أتخافين طلوع الفجر؟ أتخافين مجيء الرّبيع؟ لِمَ يا ترى تخافين الحبّ؟ أنا أعلم أنّ القليل في الحبِّ لا يرضيك، كما أعلم أنّ القليل في الحبِّ لا يرضيني، أنتِ وأنا لا ولن نرضى بالقليل، نحن نريد الكثير، نحن نريد كلَّ شيء، نحن نريد الكمال.»
أنت تقرأ
(مكيدة قلبية)
Romanceعشقت أديبًا منذ زمانٍ، أحبّت حروفه وكلماته، كثيرًا ما تخيّلته... ثمّ تصادف وقابلت حفيده الكاتب فأعطته كلّ ما كنّته نحو جدّه ككاتبٍ دون أن تأبه لـ... 20th of March 2022: 1st of July 2022