الأخير

464 41 34
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

كثيرًا ما نُصاب بكوارثٍ، نوائبٍ وصدماتٍ متلاحقةٍ، نتأثّر بأولها ثمّ تحلّ البقية التّالية ورغم كونها الأشد لكن لا تؤثر بالفرد، أو بالأحرى لا تزيده سوءًا، فقد اعتاد الصّدمات وأصيب بتبلّدٍ وبرود...

هذا بالضّبط ما حدث مع فريدة، سقطت عند معرفتها خبر زواج كريم ونادين، لكن عند تكشّف حقيقة كريم وبعدها خسارتها لعملها بلا رجعة وبطريقةٍ مهينة، كأنّها لم تتعب أو تكدّ يومًا وليس سنواتٍ متتاليةٍ من النّجاح والتّميّز!

كانت نادية خائفةً بشدة على ابنتها، تخشى سقوطها من جديد، ربما سقوطها سقطةً أشدّ، بل ربما تقضي عليها! لكن ما حدث كان النّقيض تمامًا وخالف كلّ توقّعاتها...

عادت فريدة يومئذٍ وأخبرت أمّها بما حدث وأعطتها ظرف مستحقّاتها بكلّ هدوءٍ! كأنّها تحكي لها حكاية لا تخصّها! بالرّغم من كون سرد ما لا يخصك قد يحملك على الانفعال في بعض الأحيان... حتى لو كان مجرد مشهدًا بحكاية أو مسلسلٍ!

لكن هكذا مرّ الأمر عليها، فتابعتها نادية بقلّة حيلة، لا تدري ماذا تفعل وقد استنفذت كلّ حيلها! لكنّها تفاجأت بابنتها تعيش حياتها بصورة طبيعية جدًا، يومها بالكامل بصحبة أمّها سواء بين جدران البيت أو خارجه، وحينًا أخرى وسط كتبها تنهل منها المزيد... هكذا على مر أسابيعٍ عديدة.

توقّعت نادية حتى أن يكون لابنتها جانبًا تخفيه عنها عندما تنفرد بنفسها ربما تجلس تجترّ أحزانها وذكرياتها المؤلمة مثلما اعتادت منها! لكن كلّ هذا لم يحدث! فحمدت ربّها أن تخطّت ابنتها صدمتها، وأخيرًا وصلت إلى مرحلة الرّضا والسّكون النّفسي، حتى وإن لم تكن تمامًا، لكن لم يعد هناك شيئًا بعيدًا عن السّيطرة.

ما آلمها هو عزوف ابنتها عن البحث عن فرص عمل مرّةً أخرى، لكنّها لم تضغط عليها وتركتها وشأنها ريثما تحين الفرصة المناسبة.

وذات يوم بينما كانت فريدة ممسكةً بأحد الكتب تتصفحه جاءتها أمّها وجلست جوارها تشاهدها بحبٍّ، وبعد فترةٍ انتبهت لها فريدة ورفعت عينَيها نحوها وابتسمت ثمّ أغلقت الكتاب ونحّته جانبًا قائلة: يكفي قراءة اليوم، تبدين وقد مللتِ منّي!

فابتسمت أمّها بحبّ: أنا أملُّ منكِ يا قطعة من قلبي! بالطّبع مستحيل!

تنهّدت فريدة قائلة بشرودٍ: قد آلمتكِ كثيرًا وأثرتُ غضبك أكثر بلامبلاتي ووقاحتي المستمرة، كان عليكِ التّبرّؤ منّي وليس إغداق حبّك وودّك ولطفك عليّ!

أجابتها أمّها بنفس ابتسامتها الودودة: لأنّك حمقاء!

فضحكت فريدة وأكملت نادية بحبٍّ وعيناها مترقرقتان: لم تعلمي بعد يا فريدة، لم تفهمي بعد يا ابنتي، أنتِ قطعة منّي... هل تدري ما معنى هذا؟ تلك القطعة المتناهية في الصّغر والّتي منذ أن نبتت داخل أحشائي وهي مصدر ألم وضيق على مرّ أسابيعٍ طويلة، ثمّ يتلاحق أشدّ أنواع الألم لمدّة ساعاتٍ بعد ساعات وقت آلام المخاض، والّتي تعد من أقوى الآلام على الإطلاق...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 30, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

(مكيدة قلبية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن