(15)

218 27 9
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

عُدتُ إلى البيت في حالة انسجام للقلب والعقل، بل لكلِّ جوارحي، إنّه شعور السّعادة، شعور مَن لمست السّحاب بيدَيها وامتلكت نجوم السّماء، فتفاجأتُ بأمّي فور دخولي، أدري ملامحها هذه جيدًا، إنّها البركان المكتوم، عيناها تشتعلان غضبًا ولو طالتني يدَيها لن يطلع عليّ نهارٌ آخر! سينفجر حتمًا هذا البركان وتصيبني حممه الحارقة!

حاولتُ الابتسام وقلتُ متوتّرةً مجاهدةً نفسي لأخفي حقيقة حالتي: مرحبًا أمّي! كيف حالك؟

ثمّ انحنيتُ نحوها لأقبّلها بدلالٍ كما اعتادت منّي في السّابق؛ في محاولةٍ منّي للتّغطية على الموقف، هكذا ظننتُ!

سكنت في مكانها هُنيهةً محدقةً في بنظرةٍ كادت تقتلع قلبي، أراني مبالغة! ثمّ زفرت تسألني بنفاذ صبر: أين كنتِ؟ ولماذا هاتفك خارج نطاق التّغطية؟!

ابتلعتُ ريقي بتوتّرٍ متذكّرةً نسياني لإعادة هاتفي وإلغاء خاصية وضع الطّيران، فتصنّعتُ عدم الفهم وأجبتُ وأنا أعبثُ بأظافري: مؤكّد ضعف شبكة المحمول كما تدري يا أمّي.

ولم أنتبه لكون هاتفها في يدها فضغطت تتصلُ بي ثمّ فتحت مكبّر الصّوت الخاص بهاتفها لتصدع الرّسالة الصّوتية بأن الهاتف خارج نطاق التّغطية، وقبل أن أنطق بحرفٍ، جذبت الهاتف من يدي، خطفته فوجدته في وضع الطّيران، فرفعت حاجبَيها مومئةً برأسها قائلةً: وها قد أصبحتِ كاذبةً! ثمّ ماذا أيضًا؟! هيّا حدّثيني عن مواهبك الجديدة... الخدّاعة!

فأومأتُ نافيةً وأجبتُها مسرعةً: لا يا أمّي! إطلاقًا! فقط نسيتُ إرجاعه إلى وضعه.

-إذن أين كنتِ؟ ومع مَن؟

ورغم سوء موقفي لكن السّؤال أثار حنقي وغضبي فصحتُ: ماذا بكِ يا أمّي؟! كأنّكِ تقومين باستجوابي! أو أنّي في موضع اتهام! ثمّ إنّي كبرتُ بما يكفي ولم أعد صغيرة أو حتى مراهقة!

-لا أرى أي مانع في أي اسم تسمّين به هذا الموقف! لكن في جميع الأحوال أريد إجابة، إجابة حقيقية! سمّيه سؤالًا أو استجوابًا! لا يهمّني، فقط أجيبي! أمّا بخصوص أنّكِ لم تعودي صغيرة فهذا مشكوكٌ به؛ فالعمر مجرد رقم في الأوراق الرّسمية.

-لكن المسمّى يهمّني يا أمّي؛ فأنا لستُ متّهمة.

-إذن أين كنتِ؟ وما الدّاعي لغلق هاتفك أو وضعه على وضع الطّيران... أيًّا كان ما فعلتيه؟ المهم أريد السّبب، السّبب الحقيقي.

-لكنّي يا أمّي...

فقاطعتني مجيبة: إذن أُجيبك أنا، كنتِ بصحبة ذلك المسمّى بكريم الألفي... أليس كذلك؟!

ارتبكتُ كثيرًا دون أن أجد إجابة شافية أدافع بها عن موقفي، لكنّي لم أتراجع على أية حال: لا أدري سرّ كرهك له! أمّي، عليكِ أن تتقبّلي زوج ابنتك المستقبلي... باعتبار ما سيكون.

(مكيدة قلبية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن