(13)

225 27 6
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

خرجت أمّها من حجرتها بعد أن قصّت شعرها ووضعته أمامها فوق لوحة التّزيين وقد أخذت المقص معها خلسةً دون أن تنتبه لها فريدة.

كانت فريدة شاردةً في حديث أمّها ونصيحتها لترفق بنفسها وتكفّ عن جلد ذاتها ولَومَها المستمر، لكنّها رفعت ناظرَيها في المرآة متفقّدةً وجهها الشّاحب، لا تستطيع أن ترى جمالها أو تشعر بأي رفق بتلك المنعكسة صورتها أمامها، فقط تراها حمقاء ومذنبة!

خلّلت بيدَيها بين خصلات شعرها الأسود القصير، تجذبه حينًا نحو اليمين وحينًا أخرى نحو اليسار وهي تحرّك رأسها نحو الجانبَين متفقّدةً هيئتها، لكن في الأخير زفرت بضيقٍ ضاربةً بيدَيها سطح لوحة التّزيين بقوةٍ؛ لا تطيق نفسها ولا تستطيع الرّفق بها، فلمست راحتا يديَها شعرها المقصوص، الّذي وضعته أمّها أمامها قبل أن تغادر.

رفعته بيدَيها محملقةً فيه، لقد قصّت ما يزيد عن ثلاثين سنتيمترات من شعرها، أغمضت عينَيها ملتقطةً أنفاسها ثمّ فتحتهما ملتفتةً إلى عدّة صورًا لها موضوعة تحت السّطح الزّجاجي للوحة التّزيين، كانت متسعةً ابتسامتها وشعرها الطويل متدلّيًّا على كتفَيها حتى خصرها، في مراحل عمرية مختلفة، طفولتها، صباها حتى رُشدها.

كانت ممّيّزةً به طوال عمرها، فريدة ذات الشّعر الرّائع! فريدة صاحبة الشّعر الطّويل! فريدة الهنديّة!
وظلّت هكذا حتى التقت بنادين، والّتي كانت دائمة الاستياء من شعرها الطّويل وتعيد عليها مرارًا وتكرارًا أن تقصّ شعرها لتكون مثلها، لا زالت تذكر ذلك اليوم...

كنتُ جالسةً في غرفتي داخل استوديو التّصوير، حيث كانت مصفّفة الشّعر تصفّف شعري قبل إطلالتي في إحدى حلقات البرنامج، وكانت نادين جالسةً جواري تثرثر بأسلوبها المبالغ فيه كما اعتدتُ منها بينما كنتُ أتحدّث إلى كريم عبر الهاتف لدرجة أن نسيتُ وجود مَن حولي، حتى لا أذكر كيف كانت وتيرة صوتي وإن كانت مسموعةً بالحدّ الكافي للجميع أم كنتُ هامسةً طوال الوقت!

لكن ما أذكره جيّدًا كيف اقتحمت نادين الحوار فجأة وبحدّةٍ وهي تصيح بطريقتها المبالغ فيها: لا يمكن أن نتحمّل استمرار هيئتك هكذا؟

فعقدتُ حاجبَيّ بتعجّبٍ وانتفاضةٍ من فجأتي وسألتها تاركةً حديثي مع كريم: ماذا جرى؟! لقد أفزعتيني أيّتها الغبيّة!

فأجابت بنبرةٍ لم أعهدها منها: أولًا انتقي كلماتك، ثانيًّا لقد ضِقنا جميعًا من طلّتك المستمرة بشعرك الطّويل هذا، صرتِ أشبه بالفلّاحات والفتيات الشّعبية.

ابتسمتُ بعدم تصديقٍ: بماذا تتفوّهين؟ أنا أشبه الفتيات الشّعبية بشعري الطّويل؟! إنّ الشّعر تاج الفتاة وكلّما زاد طوله ازدادت جمالًا، حتى ولو كانت فتاةً شعبية فلا يعيبها ذلك، فأنتِ لم تجعلي نفسك ابنة من الطّبقة الرّاقية!

(مكيدة قلبية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن