(6)

325 33 0
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

«قد تشعر بالإحباط عندما تتعرّض للفشل، لكنّك ستحكم على نفسك بالفشل إن لم تعِد المحاولة مجددًا.»
- بيفرلي سيلز.

بالفعل تمّ نقل فريدة من غرفة العناية المركّزة إلى غرفةٍ عادية تحت الملاحظة كما أخبرهما الطّبيب، كانت ساكنة صامتةً بالكاد تجيب ببضعِ كلماتٍ محدودة وعلى مضضٍ وضيقٍ واضح، شاردةً إلى اللاشيء، اضطرت إلى فتح فمها بعد إلحاحٍ من أمّها لرشف القليل من المشروبات الدّافئة ثمّ تناول مأكولاتٍ خفيفة وليّنة القوام...

ثمّ سُمح لها بالخروج من المستشفى تمامًا مع توصية بالاستشارة النّفسية من أحد المرشدين، لكنّها لم تلتفت إلى هذه التّوصية، كانت مشتاقةً إلى البيت كثيرًا، فبمجرد وصولها بدأت تتفقّد كلّ إنشٍ حولها كأنها غابت عنه لسنواتٍ وليس مجرد أيام لم تتخطّى الأسابيع!

دخلت حجرتها في صمتٍ فتركتها أمّها في وجلٍ، بين مَن تحاول الحفاظ على هدوئها وثباتها الانفعالي وبين خوفها من أي فعل جنونيّ انتكاسيّ ربما تقوم به، خاصةً وأنّها لم تقرّ بموافقتها بما طلبه الطّبيب من استشارةٍ نفسية أو تشعر أنّها قد تقبّلت الأمر الواقع لتستطيع اجتياز هذه المشكلة.

دارت فريدة بعينَيها حول كلّ أركان حجرتها، تنفّست بعمقٍ مغمضةً عينَيها غير مظهرةٍ حقيقة دواخلها، فلا يعرف الرّائي إن كانت محبَطةً، بائسةً، مستكينةً أم  مجرد ضحية مجنيًّا عليها...

ثمّ تحرّكت نحو فراشها وألقت بجسدها عليه جاذبةً مشبك شعرها فهبطت خصلاته على كتفَيها وظهرها خاصةً عندما اتكأت في شبه جلسة واضعةً وسادة خلف ظهرها ثمّ عقدت ساعدَيها أمام صدرها.

نظرت نحو مكتبتها والكتب المرصوصة بين رفوفها، ثمّ ابتسمت ساخرةً خاصةً عندما أخفضت بصرها نحو صورة لها من إحدى حلقات برنامجها موضوعة فوق لوحة التّزيين؛ فهي تلك الفتاة الواثقة المثقّفة، مَن قرأت وتعلّمت الكثير، والتقت وحاورت الكثيرين... لكن في النّهاية تبعت شيطانها وانحدرت في حفرةٍ عميقة  حاولت التّخلّص من حياتها مثل أي فتاة ضعيفة!

لا زالت تذكر ذلك اليوم الأول للقائهما منذ أشهرٍ...

كنتُ في إجازةٍ مرضية لعدة أيام ثمّ عُدتُ اليوم بعد شفائي، لكنّي لم أكن على ما يرام وأستعيدُ تمام صحتي، وصلتُ إلى الاستوديو الخاص بتصوير البرنامج وكانت معدّة البرنامج في انتظاري كما اتفقنا، كانت لطيفة وودودة بمجرد وصولي استقبلتني بحفاوةٍ فابتسمتُ لها بإنهاكٍ؛ فلا زلتُ متأثّرةً بمرضي، تصافحنا بحرارةٍ وأهدرت بحماسٍ: مرحبًا بكِ وحمدًا للّه على سلامتك، حقيقةً اشتقتُ لكِ كثيرًا... بل اشتقنا جميعنا لكِ!

ابتسمتُ لها مرّةً أخرى واجبتُها بلطفٍ: أشكرك جدًا يا هبة؛ فأنتِ فعلًا هبة من اللّه، ما ألطفك!

(مكيدة قلبية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن