بقلم نهال عبد الواحد
تعانقت الأمّ وابنتها عناقًا حارًّا، تخالطت أصوات شهقاتهما مع انهمار دمعهما... وبعد مرور بعض الوقت ابتعدتا فقالت فريدة بصوتٍ ضعيفٍ متقطّعٍ: أعتذرُ منكِ أمّاه، كم آلمتكِ وقلقتُكِ! أضعتُ النّوم من عينَيكِ واستنفزتُ صحتك وطاقتك، بل أغضبتكِ أشدّ الغضب... ليتكِ تسامحيني وتقبلين معذرتي!
اعتدلت الأمّ مجفّفةً دمعها بمحرمها الورقيّ ثمّ جلست متألّمةً محاولةً اعتدال ظهرها ببطءٍ وقالت بتنهيدةٍ: رجاءً أجّلي أي حديثٍ إلى وقتٍ لاحق، المهم الآن الاطمئنان على صحتك وأنّكِ صرتِ على ما يرام ولم يعد هناك أي ضرر عليكِ أو مضاعفات.
فأومأت نافيةً: لا يا أمّي لن أؤجل كلامي، إذن فأنتِ غاضبةٌ منّي!
تنهّدت أمّها ثمّ تابعت: بل اللّه هو الغاضب عليكِ وسيتوعّدكِ بأشدّ العذاب لكلّ ما فعلتيه واقترفتيه مقصّرةً في حقِّ نفسكِ حدّ الوشك على الهلاك، بل ربما هلكتِ بالفعل لأن ذنبكِ لا يُغتفر...
وهنا قاطعها صوت الطّبيب معترضًا: لكن كلامكِ غير صحيح سيدتي! وأرى أنّكِ تنوِي حبسها في سجنٍ من نوعٍ ما... بل مجموعة من السّجون.
ثمّ قال ملتفتًا نحو تلك المستلقية في فراشها: حمدًا للّه على سلامتك أستاذة فريدة.
بادرته الأمّ ببعض الحدّة: ماذا تعني بهذا الكلام؟ ألّا يجب أن تدري وتدرك حجم جُرم ما اقترفت؟!
لم يعقّب الطّبيب للحظاتٍ بل بدأ يفحصها بتركيزٍ شديدٍ فسكتت نادية على مضضٍ لتجاهله لها، بعدها قال الطّبيب: الآن أستطيع طمأنتكما على صحة مذيعتنا الرّائعة؛ كلّ شيءٍ بالفعل على ما يرام حتى أنّه يمكنها الخروج من غرفة العناية المركّزة في غضون بضع ساعاتٍ إلى غرفةٍ عادية وبعد وضعها تحت الملاحظة قليلًا يمكنها الخروج من المستشفى تمامًا.
تتفّست الأمّ الصّعداء وقالت ممتنّةً: أشكرك جدًا على جهودك المبذولة حتى تمام شفاء ابنتي...
ثمّ سكتت كمَن أرادت قول شيءٍ ما وترددت في قوله، فأومأ الطّبيب وقد قرأ ذلك من تصرّفها فقال: أمّا بخصوص ما كنتِ تقوليه منذ قليل فلي رأيٌّ آخر أتمنى أن تسمعاه.
فأومأت الأمّ برأسها عابثة في وشاحها في محاولةٍ لإخفاء إحراجها قائلة: تفضّل بُني.
والتفتت نحو ابنتها الّتي أومأت توافقه هي الأخرى فتحدّث: أرجو أن تسمعيني كما لو كنتُ أخًا لكِ وليس مجرد طبيبًا معالجًا.
فتابعت فريدة: تفضّل أنصتُ إليك باهتمامٍ.
فقال الطّبيب: إيّاكِ أن تحبسي نفسك في سجن، أعني سجن غضب اللّه الّذي غُمرتِ فيه والذّنب الّذي لن يُغتفر أبدًا؛ فرحمة اللّه واسعة وكبيرة حتى أنّ الصّالحين كانوا يعبّرون عن راحتهم في كون اللّه هو مَن سيحاسبهم بعكس الحساب لو كان على يد أي شخصٍ آخر مهما بلغت قرابته حتى ولو أبويه، أي الوحيدان مَن يضحيان بأي شيءٍ لأجل أبناءهما، فلا تقنطي من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا، وجميعنا سينال أجره برحمة اللّه وليس استحقاقًا.
أنت تقرأ
(مكيدة قلبية)
Romanceعشقت أديبًا منذ زمانٍ، أحبّت حروفه وكلماته، كثيرًا ما تخيّلته... ثمّ تصادف وقابلت حفيده الكاتب فأعطته كلّ ما كنّته نحو جدّه ككاتبٍ دون أن تأبه لـ... 20th of March 2022: 1st of July 2022