بقلم نهال عبد الواحد
ظلّت الأمُّ واقفةً منتظرةً متابعةً حالة ابنتها من بين فرقةِ الباب، تخشى تطوّر الموقف مرّة أخرى حاملةً هذا الهمّ إن حدث؛ فقد أُجهدت بشدة خلال الأيام السّابقة منتظرةً ابنتها واسترداد صحتها، وهل لا زال لابنتها أي قدر من المقاومة لتحمّل أي سقطةٍ أخرى؟!
كانت فريدة لا تزال متفقّدةً قصاصات الورق المكتوب بها تلك الاقتباسات اللّعينة، تصارع كفَّيها ألّا تمزّقها أو حتى تقلّصها فيُصاب الورق بأي مكروهٍ!
لكن روحها أبت ذلك وسأمت من صراعٍ بلا هدفٍ أو نهاية، فاندلعت صرخاتها المقهورة كأتعس مَن دبَّ بقدمَيه على ظهر الأرض، وضعت كفَّيها على وجهها منتحبةً بقوةٍ، كأنّ كلّ شهقةٍ تُقتلع من داخل روحها تجذبها جذبًا نحو الخارج وتهزّها في كلّ الاتجاهات كي تخرج معها، لكن مهما سبّبت من آلام وجروح تظلُّ روحها داخلها ونبضات قلبها مستمرةً في عملها... فقط تحرّر الشّهقات وحدها!
لا زالت الغشاوة عاميةً بصيرتها فلا ترى أنّ قلبها سليمًا قويًّا لا يحتضر، فقط خُيّل لها كلّ هذا؛ فالأرواح لا تغادر الأجساد إلّا في مواعيدها المكتوبة... لا حزنًا، قهرًا أو حتى شفاعةً لأحد؛ رُفعت الأقلام وجفّت الصُّحف.
دخلت الأمُّ مهرولةً تهدئ من روع ابنتها، ضمتها إليها بكلِّ ما أوتيت من قوة بينما ابنتها تنفلت من بين أيديها من فرط الانفعال والانهيار... مع المزيد من الصّراخ، فبكت الأمّ هي الأخرى خوفًا وألمًا فاقدةً أي فكرةٍ لأيّ حلٍّ ينقذها من هذه الحالة.
فلم تجد غير مناجاة الإله بقلبها دون أن تهمس بكلمة، فهو الّذي يسمع دبيب النّملة الصّغيرة في قعر جرفٍ عميق، فجاء الفرج أخيرًا!
بدأت تهدأ فريدة تدريجيًّا وتتباطأ انفعالاتها؛ على الأغلب قد كلّت قواها الضّعيفة الحديثة عهدٍ بالشّفاء، فزعت الأمّ في البداية ظانّةً أن ربما قد أُصيبت بغيبوبةٍ أو أي مكروهٍ، لكن الأمر أبسط من ذلك، فقط نامت وأسلمت جفنَيها لسلطان النّوم الّذي لا يُقاوم أو يُرفض طلبه نهائيًّا.
وبمجرد تأكّد الأم من نوم ابنتها وانتظام أنفاسها حتى أراحت جسدها على الفراش زافرةً براحةٍ ثمّ دثّرتها بغطائها، بعدها تسللت جوارها، ضمّتها مربّتةً عليها بحنانٍ فيّاضٍ ممسّدةً على شعرها برفق متمتمةً بعددٍ من الأدعية والأذكار حتى غطست هي الأخرى في بئرٍ عميق وقد حلّ عليها تعب أيامٍ خلَوْنَ...
وفي اليوم التّالي تململت فريدة من نومها غير مدركةً للزّمان والمكان! لا تدري أي الأحداث حقيقيٍّ وأيّها كان منامًا، لكن بمجرد تحريك جفنَيها شعرت بتورّمهما مع آلامٍ غزت كلّ مفاصلها، فتحت عينَيها تدريجيًّا وقد أيقنت أنّ كلّ شيءٍ قد وقع بالفعل.
تسلّلت بهدوءٍ من جوار أمّها مغادرةً فراشها، نهضت مترنّحة كالّة القوى، لمحت قصاصات الاقتباسات ملقاةً منذ الأمس فالتفتت وأكملت خطاها وأكملت معها تساقط دمعاتها الّتي لم تنضب بعد!
دخلت الحمام ولا زالت في نفس حالتها، فتحت مرش الماء ضابطةً درجة حرارة الماء ثمّ دخلت مكان الاستحمام دون أن تنزع عنها ملابسها تاركةً الماء الدافئ يغمرها حتى بُلّلت ملابسها تمامًا، قضمت شفتَيها المرتعشتَين من البكاء وهمست: لماذا أنا بالتّحديد؟! لماذا حدث معي كلّ هذا؟!
ثمّ ضربت رأسها في الحائط ولا زال الماء متدفّقًا فوق رأسها، فتابعت: لماذا أتألّم؟ لماذا أُحرم من السّعادة الّتي تمنّيتُها بكلِّ جوارحي؟!
ثمّ عاودت ضرب رأسها في الحائط من جديد، ثمّ أكملت همسها: ما الخطأ الّذي ارتكبته؟ ما عيبي الّذي خُذلتُ بسببه؟!
وأعادت الكَرّة مرّة بعد المرّة ثمّ جثت أرضًا على ركبَتيها والماء هابطًا فوق رأسها وقرينه تمطره عينَيها.
في نفس الوقت استيقظت الأمّ من نومها فانتبهت لعدم وجود ابنتها جوارها فهبّت من نومها مزعورة ممّا سبّب لها بعض التّشنّجات فأبطأ من سرعة نهوضها، بدأت تدلّك جسدها وبعد قليل استطاعت النّهوض، كانت قلقةً وخائفةً بشأن مضاعفات حالة ابنتها، تخشى أن تنتكس حالتها إلى ما هو أسوأ.
بحثت عن ابنتها في أرجاء الشّقة فلن تجدها فازداد قلقها وبدأت تنادي عليها دون أي ردٍّ حتى مرّت جوار المطبخ فتفاجأت بـ...
Noonazad 💕💖💕
572 كلمة
الإجمالي 8180 كلمة
نهاية الجولة الثّانية 💪👍
أنت تقرأ
(مكيدة قلبية)
Romanceعشقت أديبًا منذ زمانٍ، أحبّت حروفه وكلماته، كثيرًا ما تخيّلته... ثمّ تصادف وقابلت حفيده الكاتب فأعطته كلّ ما كنّته نحو جدّه ككاتبٍ دون أن تأبه لـ... 20th of March 2022: 1st of July 2022