(16)

207 28 16
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

قامت فريدة بالفعل بإعداد البيض الأومليت بالخضراوات كما عرضت على أمّها وتناولتاه معًا في محاولةٍ لفتح الأحاديث العابرة الّتي لا تخص إحداهما، ثمّ لبّت طلبها التّالي في صنع المكرونة (النّجراسكو)... وأمضت اليوم بصحبة أمّها بين مختلف الأحاديث والأنشطة ومشاهدة الأفلام المضحكة في الجهاز المرئيّ.

مرّ اليوم إلى نهايته وقد ثرثرت وضحكت ونسيت كلُّ شيءٍ، ففرحت كثيرًا وقد تأكّدت أنّها تعافت وتخلّصت من آلامها، لكن بمجرد أن دخلت فراشها ليلًا ولم تتركها ذكرياتها وأفكارها لتجترّ الأحزان والهموم مجدّدًا، كأنّ شيئًا لم يحدث! وها هي تنهار وتنتحب بكاءً من جديد!

لم يمرّ اليوم فقط على هذا الحال، بل تبعه المزيد من الأيام، لا زالت تعاني من صراعٍ داخليٍّ بين شعورَين بعيدَين تمامًا، فتكون نهارًا تلك الفتاة الّتي تعافت وتخطّت محنتها وكلّما جنّ عليها اللّيل انهارت وتقاذفتها نفس الذّكريات ومشاعر الحنين إليه مع المزيد من جلد الذّات لأنّها قصّرت حتى فقدت حبيبها.

لكن رغم اضطراب داخلها كلّ يومٍ وليلة، كان عليها أن تتذكّر ذكرى بعينها... ربما فيها الشّفاء، كثيرًا ما حاولت تناسيها وتجاهلها، لكن لا مفر! قد أجبرتها ذاكرتها على استرجاعها...

بعد شجاري الطّويل مع أمّي يوم عودتي من بيت كريم، والّذي كاد أن ينتهي بقطيعةٍ وغضبٍ منها عليّ؛ تريد أن ترغمني على تركه لمجرد أنّ كريم لا يروق لها، لم أفهم ما شأنها فأنّا المحبَّة وأنا مَن ستتزوّجه، وأرى أن لا شيء فيها إن بدأتُ وصارحتُه بحقيقة مشاعري!

لكن يبدو أنّي قد أخذتُ العدوى منه؛ فقبل أن يأتي الصّباح التّالي كنتُ أعاني من حمّى شديدة حدّ الهلوسة، ودرجة حرارة عالية لا تنخفض.

لا أتذكّر متى أو كيف هرعت أمّي إليّ تمرّضني وتفعل المستحيل لتنخفض حرارتي، لكنّها تنخفض بصعوبةٍ بالغة وسرعان ما ترتفع بسرعةٍ مرّةً أخرى بشدّةٍ، كان الوجع ينخر عظامي ويكاد يفجّر رأسي لم أستطع تحمّل اللّمسة على جلدي، كان من أصعب الأمور عليّ أن أحاول تحريك لساني أو فتح جفنَيّ! احتلني الضّعف والهوان ولم أقوى حتى على ابتلاع العلاج، نال من أمّي الجَهد وهي تصنع لي الكمّادات، والّتي لم تخفض الحرارة فاضطرت لخلع ملابسي وعمل الكمّادات على فخذَيّ وذراعيّ وبطني، ثمّ بدأتُ أتقيّأ كميّاتٍ من المواد المخاطية... وانتهى الحال إلى ذهابي إلى المستشفى!

مرّ أسبوعٌ وأنا شديدة التّعب والإعياء، بين الحياة والموت بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى، كنتُ أسترد وعيي وأسأل عن كريم إن كان زارني أو سأل عنّي، فلم أكن أجد الجواب!

توقّعتُ أن يفزع لخبر مرضي ويسرع يعودني، خاصةً بعد اعترافي له بحقيقة مشاعري، شعرتُ بالحزن الشّديد وقتئذ، وغصّة مريرة أحاطت حلقي أكثر مرارةً من تلك الّتي سبّبها المرض، لكنّ بعدها سرعان ما عاتبتُ نفسي والتمستُ له العذر؛ مؤكّد أنّه لا زال مريضًا يحتاجني وأنا مَن أهملتُ السّؤال عنه واستمرار رعايته.

(مكيدة قلبية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن