بقلم نهال عبد الواحد
مرّت نادية جوار المطبخ فتفاجأت بابنتها ملاقاةً على الأرض ضامّةً جسدها محتضنةً ساقيها إلى صدرها كوضع الجنين في بطن أمّه وكفّها ملطّخًا بدمائها إضافةً إلى تلطيخه لأرض المطبخ مع قطع من البورسلين المتكسّرة، شهقت الأمّ بصوتٍ يخالطه صرخة وهي مسرعةً نحوها بفزعٍ وتناديها بهلعٍ: فريدة! يا ابنتي! ماذا دهاكِ مرّة أخرى؟! يا ويلي! يا ويلي!
لكنّها تفاجأت مجددًا عندما سمعت صوت فريدة يجيبها بهدوءٍ وتقطّع: لا تخافي ولا تنزعجي أماه؛ أنا بخير.
وجمت أمّها للحظاتٍ لا تستطيع تحديد انفعالها ومشاعرها بالضّبط الآن، ثمّ وقفت مكانها في حيرةٍ ظاهرةٍ تفكّر، فلا تعرف طريقة لتهبط أرضًا تضم ابنتها، لكن الأمر بدا من رابع المستحيلات؛ فبالإضافة إلى تعب ركبتَيها وساقَيها عمومًا فإن هناك شظايا البرسولين متناثرةً أرضًا ومؤكّد ستسبب المزيد من الجروح!
كانت نادية في نفس الآن تتفقّد المكان بعينَيها وهي تتساءل بقلقٍ: باللّهِ عليكِ ماذا حدث؟ هل أنتِ بخير؟ قلبي يؤلمني من لهفتي وخوفي عليكِ!
بدأت فريدة تعتدل جالسةً وهي تجيبها بنفس هدوئها: اطمئني يا أمّي، فقط أردتُ صنع كوبٍ من الشيكولاتة السّاخنة، فقد اشتقتُ لها كثيرًا وقلتُ في نفسي ربما تعدّل مزاجي، لكن سقط الكوب وانكسر مثلما ترين وقد جُرحت أصابعي، وكما تدري أنّ دم الأطراف حاضرًا وسريع النّزف، وكنتُ منهكةً لأبعد حدّ فجلستُ أرضًا ولم أستطع النّهوض... فقط هذا هو كلّ شيءٍ.
فزفرت الأمّ وصاحت: ألجم غضبي يا اللّه! ألجم لساني يا اللّه! يا فتاة باللّهِ عليكِ ماذا تنوي الفعل بي؟! لقد تعبتُ وأصابني ما أصابني لا أريد أن أثقل حملي على أحد، لماذا تخططين بشتى الطّرق لتصيبيني بالجلطة؟! أتقولين سقط الكوب وانكسر وجُرحتِ في أطراف يدك؟! بسيطة وسهلة لهذا الحدّ! ثمّ ماذا؟ استلقيتِ بجسدك على الأرض وتركتِ دمكِ ينزف ربما تموتين من كثرة النّزف! أ هكذا تخططين؟! ألجم غضبي يا اللّه! ألجم لساني يا اللّه! ألجم يديّ يا اللّه قبل أن أحطّم وجهها وأُنهي على ما تبقَّى منها!
زفرت فريدة دون أن تعقّب ثمّ نهضت واقفةً مترنّحةً قائلة على مضض: لكن لم يحدث لي شيءٍ من الأساس، كما أنّ الأمر لا يستحق كلّ هذا الصّياح!
قالت الأخيرة باستفزازٍ فصاحت الأمّ مرّةً أخرى: ماذا تريدين بالضّبط؟! ألم تكوني نادمةً وقت كنتِ بالمشفى؟! ألم تتساءلي كيف تتخلصين من غضب اللّه عليكِ؟! أم جُنَّ عقلكِ مرّةً أخرى! ستقتليني بأفعالك الحمقاء! ثمّ ماذا جرى لكلِّ هذا؟! أم ماذا كنتِ ستفعلين إن رجلًا يستحق؟! وهل هذا كان رجلًا من الأساس؟!
جلست فريدة على الكرسي وبكت بحرقةٍ فتأفّفت نادية وتحرّكت خارجةً من المطبخ تتمتم ببعض الأذكار والاستغفار لتهدئ من غضبها، ثمّ عادت بعد قليل حاملةً صندوق الإسعافات الأولية دون أن تنطق بكلمةٍ، أمسكت بكفّها ومسحت عنه الدّماء فاتضح حجم الجرح الحقيقيّ ولم يكن خطيرًا فتنهّدت براحة ثمّ طهّرته وربطت الجرح.
أنت تقرأ
(مكيدة قلبية)
Romanceعشقت أديبًا منذ زمانٍ، أحبّت حروفه وكلماته، كثيرًا ما تخيّلته... ثمّ تصادف وقابلت حفيده الكاتب فأعطته كلّ ما كنّته نحو جدّه ككاتبٍ دون أن تأبه لـ... 20th of March 2022: 1st of July 2022