(11)

226 27 3
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

كانت فريدة لا تزال ترتشف من مشروبها وهي تارةً شاردةً في تلك الذّكريات وتارةً تتفقّد درجات لون الشّيكولاتة كلّما حرّكت الكوب حتى أخيرًا أنهته، فشعرت كأنّما أنهت نصف يومها لكن سرعان ما أدركت أنّه لم يمرّ عليها ولا حتى مجرد ساعة فور التفاتة نحو ساعة الحائط المعلّقة أمام مدخل المطبخ، فزفرت ثمّ التفتت نحو أمّها فوجدتها تتابع سكناتها وحركاتها باهتمامٍ شديدٍ وهي جالسةً دون حراك كأن على رأسها الطّير، ينقصها قلمًا ودفترًا كي تدوّن ملاحظاتها.

نهضت واقفةً فتبعتها أمّها مسرعةً واقفةً هي الأخرى وتبادرها: إلى أين؟

فأجابتها باقتضاب: إلى حجرتي.

-ألم تتناولي شيئًا؟!

-لا شهية لي.

-حسنًا، فلنجلس معًا نتجاذب أطراف الحديث!

-لا طاقة لي.

-جرّبي وصدّقيني بمجرد مرور ساعة على الأكثر ستهلّ شهيتك وأعدُّ لكِ إفطارًا شهيًّا، ألم تشتاقي إلى الأكل من يدَيّ أمّك؟ مؤكّد قد سأمتِ من أكل المشفى!

-قُلتُ لا طاقة لي!

صاحت بها فريدة وقد ارتفع صوتها فتغرغرت عينا أمّها فقضمت شفتَيها مانعةً نفسها لالّا تنفجر باكية، فقط صوّبت ناظرَيها نحوها ثمّ ابتلعت ريقها وردّت بهدوءٍ: إذن كما تشائين.

وقفت فريدة مكانها مترددةً بعض الوقت ثم حكّت مؤخرة رأسها وانصرفت من المطبخ مسرعةً في حين ألقت أمّها بجسدها على الكرسي مرّةً أخرى ماسحةً وجهها المهموم ومتمتمةً بالحوقلة والاستغفار.

دلفت فريدة إلى حجرتها واستلقت في فراشها حملقت في السّقف بضع لحظاتٍ تتنفّس بصوتٍ مسموعٍ أقرب إلى النّهجان، حاولت تنظيم أنفاسها بعمق لتهدئ من روعها ثمّ أغمضت عيناها مكملةً استرجاعها لذكرياتها...

أذكر نفسي كيف كنتُ تلك الأيام عقب يوم لقائي به، كنتُ أشغل نفسي طوال الوقت بمتابعته عبر مواقع التّواصل الاجتماعي المختلفة، أتابع منشوراته، تعليقاته وحتى ردوده داخل التّعليقات كنتُ أتابعها ودائمة التّساؤل كيف حال رسائله الخاصة؟ تُرى مع مَن يتحدّث ويراسل؟ هل لديه معجبات؟ هل يواعد إحداهن من باب التّسلية مثل الكثير من الشّباب؟ لكنّه قد أخبرني في طيّات كلامه يوم اللّقاء أنّه غير متزوّجٍ أو مرتبطٍ أي ارتباطٍ عاطفي كي يكتب كلماتٍ مفعمةٍ بالمشاعر الجيّاشة الّتي تمسّ القلب، في الحقيقة لا أدري إن كان تأثير كلماته على الجميع هكذا أم عليّ أنا وحدي؟

في تلك الأيام أيضًا تجاهلتُ أمّي كي لا تسمعني أي كلماتٍ لا تروق لي بشأن هذا الأمر واستبدلتُها بنادين الّتي كانت تسمعني ما أريد بالضّبط ودائمة المكوث معي وقت تفقّدي لصفحاته، ثمّ عرفتُ من خلال التّعليقات أنّه يكثر التّواجد بمحلٍ ما، ومنذ يومئذٍ وأنا شبه معسكرةً في ذلك المكان كي أراه وأقابله؛ فقد نصحتني نادين أن أكون جريئة واقتحم رسائله الخاصة وأتدخّل في التّعليقات، لكنّي لم أستطع وخجلتُ كثيرًا، وإن كان يعجبني تحرّرها في كلامها وتصرّفاتها رغم عدم قدرتي على مجاراتها، ورغم عزمي على مقابلته لكن سيكون في مكانٍ عام وقد يبدو لقاءٌ طبيعيٌّ.

(مكيدة قلبية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن