(14)

223 27 10
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

لم أستمع إلى كلمات أمّي كعادتي مهما نصحتني  منذ ظهور كريم في حياتي، حتى إن تحدّثت معي بشأن أي شيء كنتُ أفعل عكسه لمجرد معارضتها، وتركتُ ذلك المنشور رغم كلّ تحذيراتها وأنا منتظرة أن أثبت لها عكس ما تتوقّع، كنتُ واثقةً من ذلك ومؤمنةً به أكثر من أي شيءٍ آخر، حتى أكثر من إيماني بمواهبي وقدراتي!

كنتُ متأكّدةً أنّي سأُريها جمال تعليقه أو رسالته كم ستكون مفعمة بالمشاعر والأحاسيس! حتى أنّها ستفوق أي كلماتٍ كتبها وألّفها في عمره الكتابي على الإطلاق.

لا زلتُ أتذكّر كيف كنتُ أنتفض كلّما التقطت أذنايّ صوت رسالة أو أي إشعار... لكنّي أيضًا لم أجد منه أي شيء بل اختفى كليًّا ولم أعد أجده  من الأساس! كم كان شعورًا محبطًا! الأمر بالفعل لا يستحق، فكما سمعتُ وقرأتُ أنّ العاشق لا يطيق البُعد عن حبيبه مهمّا فعل معه، يلتمس له الأعذار ويتغافل عن الصّغائر  وتصبح غايته الوحيدة في الحياة كيف يسمو بهذه العلاقة ويطوّرها ويحافظ عليها! فما بال إن كان الأمر بسيطًا بالفعل! بل تافهًا! فلم أجد حبيبًا يقهر حبيبه لأنّه رفض قصّ شعره! فمعظم الرّجال بل جميعهم تقريبًا يفضّلون دائمًا المرأة ذات الشّعر الطّويل، فما بال وإن كان شعرٌ بجمال شعري؟! 

أو ربما الأمر يستحق وقد أغضبته! لكن لم يتبقّى لديّ بالفعل إلّا شيئًا واحدًا لم أفعله... حتى وإن بدا غير مقبولٍ لكن هو آخر آمالي لأُعيده إليّ...

أتذكّر أنّي في اليوم التّالي خرجتُ عازمةً على حصاره، وكانت ثقتي بنفسي تحدّثني وتؤكّد لي كم سينبهر من أفعالي الّتي أنوي فعلها!

فعلتُها ووصلتُ إلى بيته، كان عقلي يطلق كلّ صافرات الإنذار ويعيد عليّ كلّ موشّحات ونصائح أمّي الّتي تحوّلت إلى توبيخات لا تنتهي، حقيقةً أعترف أنّ علاقتي ازدادت سوءًا معها مؤخّرًا، لكن لا يهم، بعد تنفيذ ما أريد وبعد زواجي من كريم سأُصالحها ويصبح كلّ شيءٍ على ما يرام، خاصةً بعد أن تتأكّد من صدق مشاعري وحدسي، وكم كانت ظالمةً في رأيها به!

فعّلت الهاتف على وضع الطّيران؛ فلا تستطيع أمّي الاتصال بي ولا أكون كاذبةً إن قلتُ أنّي لم أُغلقه، وأسكنت كلّ صافرات الإنذار الدّاخلي وطرقتُ الباب بمنتهى الثّقة، وأنا أسترجع كلّ مشاهد المسلسلات التّركيّة المشابهة لهذا الموقف!

طرقتُ كثيرًا وانتظرتُ أكثر وقد غمرني قلقي! لديّ شعور قويّ أنّه بالدّاخل وسيفتح لي عمّا قريب.

كان عقلي الأبله يوشي به ويتّهمه بالخيانة وأنّه مع إحداهنّ بالدّاخل، لكن بالطّبع وبّخت هذا العقل السّاذج، لكنّي بداتّ أسمع صوت همهمات خافتة بالدّاخل فازداد توتري أكثر فزدتُ من طرق الباب لدرجة كدتُ أحطمه تحطيمًا!

بدأ الصّوت يزداد وضوحًا واقترابًا، إنّه صوت آهات، فزدتُ طرقي مجددًا وامتلأتُ غضبًا، لكن فجأة سكن كلّ شيءٍ فور فتحه للباب وهو مترنّح من المرض، محاولًا فتح عينَيه بصعوبةٍ وقد صارت غائرتَين وسط وجهه الشّاحب، لم أتمالك نفسي وأسرعتُ نحوه أحتضنه مساعدةً له على التّحرّك إلى الدّاخل حتى قبل أن أستفهم عن نوع مرضه وإن كان معديًّا!

(مكيدة قلبية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن