قصة
عصفور المطعم التركيالجزء الثامن عشر
لا وقت للموتلقد تسارعت الاحداث بشكل دراماتيكي فكانت افعال احمد وملاك تسير بمقتضى الاقدار .
كانت المشاعر والاحاسيس عند الاثنين تتلاطم في مخيلتهم كتلاطم امواج البحر الهائج .
(اذن سنقرأ ونتصور معاً حالة كل واحد مفصولة عن الآخر ).
وصف لحالة احمد :-
عندما حملوه الرجال من على الطريق وهو مصاب .
ثم رموه بالمقعد الخلفي لأحدى السيارات السوداء .كان هو بين الصحوة والاغماء .
ترائى له خيال ملاك وهو في سكرات الموت .
ولكن هذا قد يكون حلماً او قد يكون انتقل الى العالم الاخر .احس احمد انه سُّحِبَّ من كتفيه واستقر بحضن امرأةٍ دافيء .
ولكن ..
من صوتها
من عطرها
من شعرها الاسود الطويل الذي راح يداعب جبينه وخديه .
عرفها بوجدانه !!!
انها حبيبته ملاك .
لا غيرها .
حلم الطفولة وهيام ريعان الشباب .انتعش من نسيم انفاسها الزكية والطيب المنبعث من اشيائها .
احس احمد براحة نفسية وهو في حضنها بالرغم من كل الجراح .
وفي رمشة عين تطايرت في الهواء كل سنين الحرمان والم الفراق وخيانة الاصدقاء .
بدأ لاول مرة يخاف من الموت ويحب الحياة بل هو متشبث بها ولا يريد ان يغادرها .
اصبح للحياة طعم ولون آخر .
ولأول مرة أحس بطعم الانتصار بعد كل الانكسار الذي عاشه وكان راكساً فيه .
ولكن قد لا يطول هذا الاستمتاع .
فقد وصلت ملاك متأخرة الى محطة القطار وروحه قد اخذت مقعدها في العربة والقطار على وشك الاقلاع والرحيل .
———
والان وصف لحالة ملاك :-
خرجت ملاك من المجلس مسرعة يحيط بها المرافقين .توزعوا على السيارات وانطلقوا مسرعين بسبب كثافة الاشتباكات بين قوات الامن والثوار .
لمحت ملاك من بعيد رجل مصاب يترنح على قارعة الطريق .
معترضاً السيارات كأنه يريد الانتحار .فما إن اقتربت وتمعنت به حتى صرخت بصوت عالٍ وملهوف بقدر حرقة الفراق وعذابات السنين .
احمد !!! هذا احمد .
توقفوا .. توقفوا
آتوني بهذا الجريح بسرعة وضعوه جنبي .توقفت السيارات بشكل عنيف ونزلت الرجال .
حملوه على اكتافهم وهم يجهلون من هو .
اذ لم يسبق لهم أن التقوا به .طرحوه قرب ملاك في المقعد الخلفي وهو سابح بدمه لا يقوى على شيء .
انطلقت السيارات وسط هلع ملاك على احمد حبيب عمرها .
استدارت اليه بجلستها وسحبته من كتفيه لتجعل ظهره يتنعم بدفأ حضنها واضعةً رأسه بين نحرها وصدرها .
خلعت المنديل الذي كان يزين رقبتها وكورته مثل الضمادة .
وضعته على جرح صدره الغائر لوقف النزيف وهي تنتحب وتبكي بحرقة وألم على ظلم السنين .
ملاك :- تصرخ على السائق .
اسرع الى اي مستشفى قريب .هنا كانت الثورة قد توسعت في شوارع بغداد فأصبحت مثل انتشار النار بالهشيم .
الثوار ملأوا الشوارع وانتشروا بكل مكان .
بدأت الجموع الغاضبة تعتدي على مقرات الاحزاب وعلى مواكب السيارات والمسؤولين .
كل هذا يجري امام ناظر المرافقين .
الهلع الذي اصاب المرافقين لم تكن ملاك تعير له اي اهتمام .
انها لا تدري ولا تعي بما يدور خارج حدود السيارة .احتضنت احمد واضعةً رأسه على نحرها وانحنت تنوح وتبكي عليه .
اصبحت حدود حياة ملاك لا تتجاوز مقعد السيارة الذي احتضنت احمد فيه .
فلا يهمها ما يجري خارج هذا المحيط .ملاك :- تصرخ باكية
خذوني الى اي مستشفى .. لا اريد ان افقد احمد من جديد .رئيس المرافقين :- مذعوراً
لا نستطيع يا سيدتي ..
الشوارع كلها مقفلة من الثائرين .احمد يلفظ انفاسه الاخيرة وموكب السيارات يدور في شوارع بغداد يبحث عن مخرج من هذا المصير .
أنت تقرأ
عصفور المطعم التركي
Roman d'amourالقصة تدور احداثها حول شاب عراقي يرتبط بعلاقة حب مع فتاة من نفس مدينته وتجري احداث دراماتيكية يغوص بسببها هذا الحب بوحل السياسة