الفصل السابع عشر
*نيران الانتقام*
قبل ساعات:
"ك..كيف؟!!"
وبكل ثقة جلس أمامها مبتسماً ببساطة قبل أن يسألها بلا اكتراث لذهولها الواضح:
_كيف حالك سيدة دينا؟!
ومُستغلاً خرسها تابع:
_أكل هذا الإرهاق من أجل مقابلة واحدة معك؟!
ثم مال مستنداً بساعديه على الطاولة قائلاً بسخرية:
_أكان يجب عليّ إرسال هديتي إلى تامر بك كي تقابلينني؟!
عندئذٍ احتدت ملامحها بكراهية صارخة وهي تخاطبه من بين أسنانها:
_أتعلم أن ذلك المقطع الذي أرسلته إلى تامر كاد أن يُنهي حياتي الزوجية كلها؟
نظر إليها بوجوم ثم مط شِفتيه بأسف مغمغماً:
_الذوق والتهذيب يُحتمان عليّ أن أظهر ندماً أو أسفاً أو تعاطفاً بسبب تعريضي إياكِ إلى هذا الخطر المحدق.
وباللحظة التالية انفرجت ملامحه بابتسامة مسرورة وهو يستطرد مستفزاً إياها:
_لكن أعتذر سيدة دينا، أنا لا أشعر بأيٍ منهم، وإني _للأمانة_ فخور بفعلتي وأعدها إنجازاً أستحق الثناء عليه!
وحرب نظرات دارت؛
باردة.. مُستمتعة.. مُتوعدة؛
حاقدة.. كارهة.. نافرة؛
_لماذا؟
وتابعت بِسؤال ثانِ:
_لماذا تتمسك بها بشدة كما فعل أبي لأعوام؟
والسؤال الذي سألته مشحوناً بنظراتها التي حَلَّت الدهشة ضيفة عليها لِتُزاحِم ضغينة صارخة، أتبعته بثالث على الفور:
_لماذا تكبدت كل ذلك العناء من أجلها هي؟ لماذا تلاحقها بهذا الإصرار بعدما نبذتها بنفسك؟ لماذا لا تفكر بسواها ذات نسب شريف لا يلتصق العار به؟
وأسئلة أخرى بنبرة كتمتها شدة الغيظ:
_ألم يؤذِك أبوها؟ ألم يلحق الضرر بأسرتك كلها؟ ألا يعلم الجميع بالأصل أنها لا أب لها؟ ألا تعلم أنت كم مرة أُطلِق عليها أنها "ابنة حر..."
وعندما أدركت أنها تجاوزت الحدود بترت كلمتها؛
وحينما احتدت عيناه بقتامة أرعبتها بترت كلمتها؛
ولمَّا شعرت أن هناك خنجر سينطلق من نظراته رأساً إلى لسانها، بترت كلمتها؛
ثم _بخفوت مثير للرهبة_ أمرها دون حاجة حقيقية لأن يفعل:
_ابتلعي كلمتك وإلا حشرتها في حلقك بنفسي!
وتراجع إلى ظهر مقعده قائلاً بهدوء:
_أولاً: رهف الآن زوجتي، وأنا مستعد لأي شيء في سبيل الدفاع عنها ضد أي حقير أو حقيرة مثلك.
ثم أضاف بامتعاض:
_ثانياً: رهف التي تحقدين عليها وتكرهينها كالموت أفضل بكثير من امرأة ذات نسب شريف لكنها دنيئة النفس، جشعة، حقودة.
ثم أشار بكفه إليها مُردفاً:
_ومن الواضح أنني أعنيكِ أنتِ تحديداً بهذا!
وزفر مُضيفاً:
_ثالثاً: هذا العقد الذي تتمسكين به أنا أعلم بوجوده لديكِ منذ شهور، لكنني ظننت أن الدكتور عَمَّار حينما تَعَرَّف إليكِ سيحصل عليه، فتركت له الساحة حتى ينصرها بنفسه وتعثر هي على أخ يُحبها أخيراً.
ولم يأبه بالذهول الذي عاد إلى وجهها بأشد صوره وهو يتابع بأسف:
_لكن عَمَّار كما كان دوماً، متسامح ويأخذ الطرق المباشرة، ربما أخبرتِه أنتِ أنه ليس معك فصدقك، أو توقف عن الطلب حينما تزوجتِ وحصل هو على رهف.
وعادت ابتسامته الصفراء قائلاً ببرود:
_لكنني على العكس منه، صبور، ومثابر، لا أحيد عن أهدافي كما أخبرتك من قبل.
ثم تنهد ببطء قبل أن يضيف:
_وكي أكون أكثر صراحة، لا أهتم إن انتهت حياتك الزوجية أو بُليتِ بمصيبة أكبر.
وارتفع أحد حاجبيه وحذرتها عيناه مُشدداً:
_لِذا توقفي عن مراوغتي، لأن هذا العقد سيكون بين يدي الليلة، أو ستكون بين يديكِ أنتِ وثيقة طلاقك من تامر بك عزمي!
ثم أردف متظاهراً بالتفكير:
_تُرى كيف ستكون حياتك إن حدث هذا؟
وشاركته التفكير بِجِدية، لترتجف أطرافها ويصرخ عقلها رفضاً، فازدردت لعابها وهي تسأله بلا تصديق:
_هل.. هل كنت على اتفاق مع أخيها لابتزازي؟
هز رأسه ببطء نافياً ثم أجابها:
_لا للأسف، عَمَّار لا يعلم حتى اليوم أنني أسعى خلف العقد، لكنني من الممكن أن أخبر تامر بك إن أحببتِ.
وتركت نظراتها تُعبر عن شعورها؛
لم يحشرها شخص يوماً في الزاوية؛
لطالما اتسمت بذكائها؛
ولطالما كانت لديها خطط بديلة؛
وللأسف على ما يبدو أنها للمرة الأولى هُزِمَت.. وأيضاً بسبب ابنة عمتها التي لم تبغض شخصاً بقدرها!
_العقد سيدة دينا! الليلة زفافي كما تعلمين بالتأكيد ولديّ موعد مع المزين لا أود التخلُّف عنه!
هبطت بنظراتها إلى كفه الممتدة تجاهها مُطالِبة بِثقة.. وبكل انهزامها فتحت حقيبتها لتلتقط كنزها الدفين..
وبينما كانت تودعه بعينيها اختطفه منها بلهفة ناقضت بروده الذي يتلبسه منذ بداية اللقاء..
والآن ينظر إلى العقد وكأنه جائزته الأثمن على الإطلاق!
أكل هذا من أجلها؟!
ألهذه الدرجة يحبها؟!
ولماذا لم يحبها هي تامر إلى الآن؟!
ولماذا لم يحبها حمزة مطلقاً؟!
بالرغم من أنها لم تهتم بذلك الشعور يوماً فإنها الآن تريده بشدة..
أن يحارب أحدهم من أجلها؛
أن يصر أحدهم عليها؛
ربما وسيلتها الوحيدة هو هذا الوحيد الذي يقبع في رحمها؛
ربما حانت فرصتها كي تحصل على سعادة هائلة.. وأكثر من رهف!
ووقف أخيراً ببطء ثم قال بألم:
_أتعلمين؟! أنا وأنتِ لسنا معصومين من الخطأ، ولقد ظلمنا رهف، ربما سامحتك هي، ربما منحتك فرص كثيرة فرفضتِها.
وأكد واعداً:
_لكنني لن أفعل، سأتشبث بفرصتي معها بأقصى طاقتي، وسأعوضها عن كل ألم سببته لها أنتِ، أو أمك، أو أنا، أو شريكك الحقير.
ثم قال بتهكم:
_أشكرك سيدة دينا، وأتمنى أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي أراكِ بها!
وقبل أن ينصرف تمعنت نظراته بها بِحنق قبل أن يسألها باستغراب:
_سؤال وحيد يقض مضجعي ولا أجد له إجابة مُقنعة، كيف تحمل الأخ حمزة حقدك وكراهيتك لثلاثة أعوام متواصلين، بينما أنا الآن أشعر بأن ارتشاف مُستخلَص سُم الفئران لَهو فكرة أفضل من لقائي بكِ لدقائق معدودة فقط؟!
**********
أنت تقرأ
سَكَن رُوحِي (مُكتملة)
Romanceفتاة يتيمة تضطر للاستقلال بالمعيشة عن خالها لتفاجأ بشخص يتتبعها ويراقبها بكل مكان... ماتنسوش الڤوت والتعليقات لو سمحتم😍😍😍