١٥_الفصل الخامس عشر (جوانب أخرى)

6.9K 243 35
                                    

الفصل الخامس عشر
*جوانب أخرى!*
**********
إن كنتِ لستِ بالقوة لمواجهة نيران عاشق غيور.. فلا تفعلي!
إن كنتِ لستِ بالقسوة لقمع ثورة قلبك وقلبي.. فلا تحاوِلي!
وإن كنتِ تظنين أنني سأمَلّ، سأضجر، سأرحل مُسالِماً..
عفواً حبيبتي.. جانبكِ الصواب!
الرايات البيضاء لا تناسبني؛
المُصطلحات الجوفاء نفسي تعافها؛
اتفاقيات المُهادنات انتهت صلاحياتها؛
وعلى طرقات نبضاتنا ستقرع دفوف اجتماعنا؛
فَشِعاري في حُبِّك.. يا مرحباً بالجنون!
**********

اتجهت رهف إلى غرفة مكتبها تحمل بعض العُقود التي تسلَّمتها للتو من سما، ثم وضعت حقيبتها على المقعد وهمَّت بالجلوس عندما لَمَحت ذلك الشيء على سطح المكتب وبرفقته رسالة تعلم جيداً العبارتين المطبوعتين بها، مثل كل صباح، ومنذ أسبوع مضى!
لتصيح بعصبية:
_سيدة نادية!
فتأتيها المرأة مُهروِلة قائلة بقلق:
_ماذا بكِ آنسة رهف؟ لِماذا تصرخين بذلك الشكل؟
التقطت رهف لوح الشوكولاتة الكبير ورفعته أمام عيني السيدة وهي تسألها بحنق:
_من أحضر هذا إلى هنا؟
أجابتها المرأة بتوجس:
_نفس الشخص آنسة رهف، يومياً بمُجرد أن أفتح المكتب وأبدأ بالتنظيف يحضر هو ويطلب مني أن أضعها على مكتبك وينصرف.
صرخت رهف:
_ألم أقل لكِ لا تسمحي له بتركها؟ ألقِها في وجهه على الفور!
عضت المرأة على شفتيها باعتراض وهي ترد:
_أتظنين أنني قد أفعل ذلك آنسة رهف؟! أتريدين مني أن أتصرف بقلة ذوق مع الشخص المُهذب؟ لِمَ أنتِ غاضبة هكذا؟ ألا تعلمين كم فتاة تتمنى اهتمام شخص مثله؟! إنه طويل عريض وسيم عيناه خضرا........
صاحت رهف تقاطعها بحنق:
_سيدة نادية! أتتغزلين به؟
شعرت المرأة بالحرج وهي ترد:
_لا يا آنسة رهف بالطبع، إنه بعمر أولادي، لكنني لا أفهم كيف لكِ أن تغضبي منه بهذا الشكل مع أنه يبدو أنه يحبك كثيراً!
ضغطت رهف أسنانها بغيظ وصمتت قليلاً، ثم تحدثت بهدوء كافحت من أجل الحصول عليه:
_سيدة نادية، أرجو منك ألا تتقبلي منه أي شيء إن جاء ثانية، تفضلي بالذهاب إلى عملك.
نظرت لها المرأة بغيظ ثم أولتها ظهرها مُتمتِمة بخفوت:
"فتاة منحوسة!"
لكن رهف سمِعتها واتسعت عيناها بذهول واضح ثم التقطت هاتفها فوراً...
**********
"هل سمعتني يا سارة؟! ماذا بكِ أنتِ أيضاً؟!"
هتف بها فانتفضت أخته فجأة تسأله بحنق:
_لماذا تصيح بي هكذا؟ لقد أصبتني بالصمم!
نظر لها بدهشة ثم خاطبها بهدوء:
_هل أنتِ بخير؟ لماذا هذا الشرود منذ بداية اليوم؟ أنا أخاطبك منذ قليل وأنتِ غير منتبهة.
ردت سارة بتوتر:
_أنا فقط.. أشعر ببعض الإرهاق.
استقام واتجه إليها والقلق يتزايد على ملامحه حتى وقف أمامها مُتسائلاً:
_ماذا بكِ؟ بِمَ تشعرين؟ لقد لاحظت أنكِ منذ أسبوع تبدين مُختلفة، هيا نذهب إلى الطبيب.
ردت بسرعة:
_لا ساري أنا بخير لا تقلق.
لكنه لم يفعل، ظل لحظات يحدِّق بها ملياً حتى ضحكت هي قائلة:
_صدقني أنا بخير، لكن ربما سأعود للبيت الآن وسأنام للغد، لا أستطيع التركيز.
ابتسم لها بحنان ثم ضمها للحظات مُربتاً عليها، وأفلتها قائلاً:
_عودي إذن، واتركي لي الملفات التي بحوزتك أنا سأطلع عليها طالما أن عاصم بك يبدو في أوج غضبه هذه الأيام.
ثم تابع بامتعاض:
_بالرغم من أنني من أعاني أزمة عاطفية جادة، على عكس مباراة الحماقة التي فاز هو بها باكتساح.
ابتسمت له بشُكر ثم اتجهت إلى الباب، وهناك توقفت ثم التفتت إليه قائلة:
_ساري، أريد أن أسألك سؤال.
نظر لها باهتمام ثم أومأ برأسه مُشجِعاً، فتابعت بتردد واضح:
_كيف.. كيف علمت أنك تُحب رهف؟ أو أقصد متى علمت أنك أحببتها؟ أو.. أو ما الذي جعلك تتأكد من حُبك لها؟
على الفور ارتسمت نظرة عاشقة بعينيه وهو يُجيبها:
_منذ رأيتها أمامي للحظة الأولى علمت أنها حبيبتي، علمت أنها السبب الوحيد الذي جعلني لا أهتم بالارتباط طوال عُمري، علمت أنها لي ولن أسمح لها بالابتعاد عني أبداً.
ثم حلَّت النظرة المُتألمة وجهه وهو يتابع بصوت حزين:
_لكن.. لكن أحياناً عندما يعيش الإنسان عمره كله باحثاً عن الثأر والقصاص يتمسك بأي فرصة تأتيه، حتى لو كانت ستتسبب في قتله هو أولاً.
واحتلت نظرة مُصممة ملامحه كلها وهو يستكمل:
_لكن كل إنسان يحق له الوقوع في الخطأ مرة ثم يحاول بكل قوته إصلاح ما تسبب به، أليس كذلك سارة؟
والسؤال أطلق التمني بعينيه، ثم اقترب مُعيداً سؤاله بلهجة متوسلة:
_هي ستسامحني أليس كذلك؟! رهف ستمنحني فرصة ثانية، وستصير زوجتي أنا مرة ثانية، صحيح؟
ابتسمت سارة له بإشفاق واضح ثم تظاهرت بالتفكير وهي ترد:
_دعنا نفكر.. لو كنتِ مكانها يا سارة ماذا ستفعلين؟!
واللهفة واضحة بعينيه مُنتظراً إجابة يتشبث بها كالطفل فلم تستطع خذلانه وهي تتابع:
_لو كنت مكانها سأُعذِّبك وأؤلمك مثلما آلمتني، سأنتقم منك بكل ما استطعت، وعندما أشعر أنني اكتفيت وأننا تعادلنا سأسامحك للأسف.
زفر براحة شديدة وكأنه كان يتخيل صدق ما سيحدث ثم علَّق بخفوت:
_موافق، كل ما تريده رهف أنا سأفعله دون تردد!
دق جرس هاتفه فودعته سارة بابتسامة وانصرفت، عاد هو إلى مكتبه والتقط الهاتف لتتسع عيناه بدهشة وتتعالى دقات قلبه وهو يرد مبتسماً:
_كنت أعلم أنكِ اشتقتِ إليَّ أيضاً آنسة رهف، هل أُحضر دفتري وقاموسي لألحق بالمحاضرة؟
ليأتيه صوتها الصارخ:
_ساري صبري رشوان، توقف عن ملاحقتي! توقف عن إحضار الشوكولاتة! وتوقف عن إرسال الرسائل إليِّ!
فيرد بلهجته العابثة:
_أولاً: أنا أراقبك من بعيد رهف لا ألاحقك، حتى أنني لا أحدثك بالشارع ولا تشعرين بوجودي، لأنني اشتاق إليك كثيراً بينما أنتِ قاسية القلب.
وقبل أن تعلِّق تابع:
_ثانياً: ذلك النوع من الشوكولاتة هو النوع الذي أنا متأكد من حبك له، إنه ما وجدته بحقيبتك في المرة الأولى، لذا وحتى أستطيع إطعامك إياها بيديَّ وأنتِ بين ذراعيَّ سأظل أُرسلها إليكِ.
زفرت ببطء والضعف يكتنفها بينما استكمل هو بخفوت بصوته الرخيم:
_ثالثاً: بالنسبة للرسائل فأنا لن أتوقف أبداً! سأظل أكتبها يومياً، سأظل أرسلها يومياً، سأظل أرددها على مسامعك حتى أستعيدك.
لحظة صمت؛
لحظة انتظار؛
ثم:
_أحبك رهف!
وصمت آخر؛
وانتظار آخر؛
ثم:
_تزوجيني رهف!
أغمضت عينيها وقلبها الخائن يرقص فرحاً، وعَمَّ الصمت إلا من أصوات أنفاسهما، ثم توسلها هو:
_عودي إليَّ رهف!
فتحت عيناها تبحث عن صوتها ثم ردت بخفوت:
_ساري، ما كان بيننا لم يعد له وجود، أرجوك توقف، أنت تُهدر وقتك.
فأتاها صوته الواثق:
_لا رهف، أخبرتك أنه لم ينته شيء، أنتِ ستصبحين زوجتي و.....
قاطعته فجأة بصوت مرتجف:
_لكن أنا سأتزوج بآخر!
**********

سَكَن رُوحِي (مُكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن