الفصل الثامن
*ماضٍ لا يرحل*
**********
أَتَشَرَّب ضعفي حتى أرتوي
أُعايش سلبية باتت ملاذي
أَتَقَبَّل
وَأَتَقَبَّل
ثم أَتَقَبَّل..
بلا شُكر.. بلا نِقمة..
بلا فَرَح.. بلا حُزن..
وبلا اكتراث!
لا تُحاكمونني ولا تظلمون!
لا تزدرونني ولا تنهرون!
فكما ضعفي كان مُتقناً
وكما أصبحت للسلبية شِعاراً مُعبِّراً..
ستصير صحوتي إعصاراً جارفاً
فهذا وعد مني..
ومَن شابه أباه فما ظلم!
**********
"ما بالك أمي؟ بِم أنتِ شاردة؟ أرجوكِ ابتسمي قليلاً!، إنه زفاف ابنك الوحيد، لا يجب أن يعلم جميع المدعوين أنكِ غير راضية عن ذلك الزواج."
همست بها سارة لأمها التي تجلس صامتة تماماً منذ دقائق، فمنذ أن انصرف المأذون وهي متصلبة بمكانها لا تحاول حتى إظهار الفرحة بابنها الوحيد.
وكزت سارة سما في ذراعها فنظرت لها الأخيرة بدهشة متسائلة لتردف بنظرة ذات مغزى:
_أليست عروس أخي جميلة يا سما؟
دققت سما النظر برهف التي تجلس بجانب خالها وتبدو عليها الفرحة الشديدة مختلطة بالخجل ومقداراً واضحاً من عدم التصديق!
_إنها جميلة بالفعل أم ساري، جعلها الله زوجة صالحة لابنك.
لم يبد على سوسن أنها سمعتهما بالأصل، كانت محدقة بابنها بتركيز شديد والقلق يستيقظ بداخلها ويكبر؛
ويكبر؛
ويكبر؛
منذ تم تحديد تاريخ الزفاف وهي تشعر بمصيبة قادمة؛
التاريخ وحده كان كارثة محققة..
أيعقل أنه اختار هذا التاريخ مصادفة؟!
هذا التاريخ الذي تعاهد ثلاثتهم على عدم ذكره معتقدين أنهم بتلك الطريقة ستشفى جراحهم!
أيعقل أنه لم يلاحظ؟!
مرتين ذهبت إليه كي تنبهه لكنها تراجعت خشية إفساد فرحته وإيقاظ ذكريات دهشت كثيراً من سرعة نسيانه إياها؛
أم أنه لم ينس مطلقاً؟!
أم أنه اختار هذا اليوم عن عمد؟!
لكن بِمَ سيستفيد حينئذٍ؟
"ما به ساري؟"
ألقت سؤالها الخافت على ابنتها بينما عيناها تطالعان ابنها بِوَجَل..
وسيم، أنيق، رزين.. كما العادة؛
مظلم،قاتم،متربص.. ليس أبداً كما العادة!
نظرت لها سارة متسائلة:
_ما به أمي؟ إنه عريس!
هَزَّت رأسها نفياً وأطرافها بدأت بالارتجاف رغماً عنها؛
هل بسبب الذكرى السنوية؟
أستعاودها نفس الأعراض؟
ولماذا بعد كل هذه السنوات تحديداً؟!
والنبرة القلقة توضحت تماما بينما أوضحت لابنتها:
_لا تبدو عليه الفرحة، إنه حتى ينظر إليها بطريقة غريبة للغاية.
ضحكت سارة هاتفة:
_ربما ابنك حتى الآن لا يصدق أنه تزوج من حبيبته الوحيدة بعد أن هددتِ تحقيق حلمه بها، لذا أصبح هناك عطلاً ما في الجزء المسئول عن إظهار مشاعره.
هزة نافية قاطعة هي كل ما أجابتها به أمها بينما لم تستطع نزع نظراتها عن ابنها
ملامح متحفزة؛
ملامح غاضبة؛
ملامح ثائرة؛
ملامح متعطشة لانتقام!
وشهقة عالية من ابنتها جعلتها رغماً عنها تُبعد عينيها عنه لتنظر إليها، لكن شحوب وجه سارة المحدقة بباب القاعة جعلها تتبعها بعينيها حتى اجتذبها وجه صارم الملامح لطالما كان له النصيب الأكبر من لعناتها لسنوات!
يا إلهي!
مُحال أن يكون هو نفسه!
_من هذا الرجل؟
والسؤال الذي ألقته سما بفضول وهي تتطلع إلى ملامح الذعر التي تشاركتها الأم وابنتها بسخاء لم تجبها عنه إحداهما..
"علام تنوي يا ساري؟!"
وسؤال سوسن لم تستطع التفوه به حقاً، بينما تشبُّث سارة بها بخوف تلقائي سبق سؤالها المذعور:
_أمي! أليس ذلك الرجل هو نفسه...؟
ولم تستطع سارة إتمام سؤالها، فشحوب وجه أمها والكراهية التي اعتلت وجهها أعلنت وضوح الإجابة.
ثم توقف الحوار!
وتوقفت الضحكات!
وتوقفت الهمسات!
تعلقت أنظار الجميع بالعريس الذي يتصدر القاعدة الخشبية ممسكاً بمكبر الصوت.
"من فضلكم أرغب بدقيقة واحدة من انتباهكم!"
وبسطت سوسن كفها على صدرها في محاولة لتهدئة نبضات قلبها التي تهرول هرولة!
" أشكركم، وأعدكم أن أكون سريعا، في الواقع لقد رغبت في تقديم زوجتي وعائلتها للجميع!"
وارتجف جسد سارة كله في ذعر واضح بينما التصقت أكثر بأمها رغبةً بالحماية!
"وها هو أبوها الهارب، إنه هنا معنا جاء كي يطمئن على ابنته ويحرص على رؤيتها في هيئة العروس، كما تعلمون جميعا، حنان الأب لا يعادله شيء. "
واتسعت عينا عاصم بصدمة مدركاً حجم المصيبة التي شارك بها دون إدراك، هامساً:
_يا إلهي!
"رحبوا معي بشديد بك الناجي والد زوجتي والذي لا يريد الاعتراف بها!"
وخرج صوت سارة مبحوحاً وهي تجذب ملابس أمها أكثر، بينما صوتها تراجع بتنبيه تحذيري، وبالرغم من ذلك فإنها همست بِحشرجة:
_ك..كيف؟!
"لكن اعذرني شديد بك، أنا لا أستطيع تحمل نتائج أفعالك أنت."
..
..
والصراخ الناهي الذي أطلقته سوسن وهي تهب واقفة لم يسمعه ابنها وهو يحدق بـــــ"عروسه"..
بألم؛
ثم بقهر؛
وبرجاء؛
ثم بأسف؛
فبتصميم!
ثم بهتاف بارد:
"أنتِ طالق!"
**********
هل توقف الزمن؟!
هل خرِس الجميع فجأة؟!
لِمَ يحدقون بها؟
لِمَ ينظر الجميع إليها بصدمة؟!
أهذه نظرة تشفي؟!
أتلك نظرة إشفاق؟!
وهذه نظرة اشمئزاز؟!
كل النظرات موجهة إليها وحدها!
هي المجرمة..
هي اللقيطة..
هي الغادرة!!
وتنقلت نظراتها بين وجوه محددة تعرف أصحابها؛
تطلب توضيحاً، تأكيداً، نفياً، أو تبريراً!
هذه أمه المصدومة الشاحبة..
هذه أخته المرتجفة بذعر دامعة..
هذا خالها الذي تصلب مكانه مصعوقاً مثلها..
أما هذا فسبب نكبتها وعارها وعذابها..
ثم هذا؛
قاتلها!!
أنت تقرأ
سَكَن رُوحِي (مُكتملة)
Romanceفتاة يتيمة تضطر للاستقلال بالمعيشة عن خالها لتفاجأ بشخص يتتبعها ويراقبها بكل مكان... ماتنسوش الڤوت والتعليقات لو سمحتم😍😍😍