الفصل الثامن عشر
*سَوْط الماضي*
**********
أيا حُلوتي كفى عقاباً!
أيا حُلوتي ألم يتساوى ميزانِك بعد؟!
أيا حبيبتي عودي إليّ!
أيا حبيبتي فلتترفقي بي لابُد!
ألم تنتهي؟! ألم تكتفي؟!
ألم تشتاقي؟! ألم تتعبي؟!
ألا تخضعين إلى صوت قلبك فيركض كلانا إلى الآخر؟!
ألا تميلين إلى رغبة روحك فيسكن كلانا مع الآخر؟!
هيا بنا لِنقتنص بدايتنا الجديدة!
وهيا بنا لِنختطف نهايتنا السعيدة!
**********
"لِمَ لا تجيب عَمَّار؟"
أطلقت مَوَدَّة هذا السؤال بضيق شديد وهي تعيد اتصالها بزوجها للمرة الرابعة على التوالي بدون أي رد منه، فهتفت بها تغريد التي تُحاول إلهاء إياد باللعب لعدم استطاعته النوم وهو يستشعر الجو المتوتر منذ ليلة الأمس:
_ربما لا يسمعه مَوَدَّة.
هزت مَوَدَّة رأسها رفضاً وهي تشعر بوقوع مصيبة، الصمت القاتل يُخبِرها بأن هناك ما حدث ولا يخبرها به عَمَّار.
لقد حاولت منذ الأمس استدرار حنان أمها كي تُخبرها بأية معلومات من خالتها قد تكون مُتعمدة إخفاءها بخصوص زوجها، لكن أمها كما شقيقتها تماماً مُتمسكة بأفكار بالية ومبادىء عقيمة فترى أن شديد بك يصلح خطأه.. أو ربما يقوم بوأده!
لكن أبيها هو من كان على قدر ثِقتها وأخبرها أنه سيحاول الوصول إلى مكان شديد عن طريق صلاته الكثيرة دون الانتظار لمرور الأربع وعشرين ساعة.
_سأُجَن تغريد، لقد كان يراسلني كل ساعة حتى لا أُشغِل الهاتف ولقد توقف منذ ساعتين عن ذلك، ولا يرد حتى على اتصالاتي.
_ربما....
وبترت تغريد عبارتها عندما ارتفع رنين هاتف مَوَدَّة فأجابت بلهفة:
_عَمَّار! هل وجدتموها؟
وبعد صمت للحظات شحب وجهها به تماماً رد هو بكل الألم والخسارة:
_لا مَوَدَّة، لم نجدها.. ربما.. ربما فقدناها إلى الأبد!
سقطت مَوَدَّة على أقرب مِقعَد بعد أن خذلتها قدماها تسأله بصوت مبحوح:
_ماذا تقصد؟
واستطاعت سماع نشيج زوجها وهو يهتف بصوت مُتقطِع:
_لقد أحرق المكان مَوَدَّة، لقد أحرق المخزن الذي احتجزها به...
وبصوت متحشرج رددت كلماتها الذاهلة:
_م..ماذا تقول عَمَّار؟ إنه والدها.. ربما لم تكن هناك بالأصل، هو لن يــ..
لكنه قضى على آمالها هامساً باختناق:
_لقد وجدنا حذائها!
ولم تستطع حتى طلب أية تفاصيل عندما زاغت عيناها فجأة وفقدت وعيها!
**********"ساري! هيا قُم، رجال الإطفاء يقومون بعملهم الآن، إن شاء الله لن..."
تقطعت عبارة عاصم وهو يهرب من عيني ساري الدامعتين المصدومتين ووجهه المُغبَّر ثم استأنفها مُشيحاً بوجهه بعيداً:
_إن شاء الله لن يجدوها بالداخل.
ويبدو أن صديقه لم يسمعه بالأساس فتركه على مضض وهو ينظر له بألم شديد...
ساعتان مرتا منذ تعاون هو وعَمَّار وحمزة على جذبه من داخل النيران التي اندفع إليها هائجاً صارخاً باسمها، لكنه كان كالثور يدفعهم بعيداً بغضب حتى اضطروا إلى ضربه وإفقاده وعيه وإلا كان لحِق بها..
وها هو بعدما أفاق مُغبَّر الوجه بثياب مُحترقة وبعض الحروق بكتفه الأيمن وصدره لم ينبس ببنت شفة وهو يراقب رجال الإطفاء يحاولون إخماد الحريق الهائل الذي ساعدت الأخشاب في انتشاره بسرعة..
رافضاً أي مُحاولات لفحصه من قِبَل رجال الإسعاف بإشارة صارمة من يده، جالساً أرضاً لا تتحرك عيناه عن بوابة المخزن..
هي ستخرج له الآن أليس كذلك؟
بفستانها الأبيض وحجابها الأبيض..
بابتسامتها الرائعة ونظراتها الحنونة وأهدابها التي يعشق..
ستُخبره أنها سامحته؛
ستُخبره أنها تعلم الآن أنها انتقمت منه بما يكفي؛
ستُخبره أن الشعور الذي لا يوصف الغارق هو به الآن قد شفى غليل انتقامها ولم تعُد ترغب بالمزيد؛
ودمعة..
ثم دمعة...
ثم دمعات....
ثم صراخ:
_رهـــف!
وهبَّ واقفاً:
_رهـــف لِمَ لا تُجيبين؟
ودار حول نفسه بجنون صائحاً:
_ألم تكتفي بعد؟ ألم تُسامحيني بعد؟
وبكاؤه لا يحاول مُداراته مُتابعاً:
_أخبريني ماذا تُريدين وسأفعله!
وصراخ مُتحشرِج:
_سأقيم لكِ زفافاً ثالثاً، سأبتاع لكِ فستاناً أجمل، سأُحضر لكِ عشرات من ألواح الشوكولاتة التي تُحبينها فتشكرينني كل مرة بغمزة..
وشهقة بكاء مُتحسرة يتبعها صياحه:
_اخرجي رهف! اخرجي وارحميني!
ليُتبِعها بنبرة مقهورة:
_قولي أنكِ لم تعاقبيني بتلك القسوة!
مال حمزة على عاصم بعد أن فقد الأمل تماماً بعَمَّار جامد الملامح قائلاً:
_عاصم، هذا مؤشر خطر، إنه يتعرض لبوادر صدمة، يجب علينا إبعاده عن ذلك المكان.
رد عاصم بنزق:
_إن استطعت تحريكه فأتوسل إليك أن تفعلها، أنا فشلت أمامك أكثر من مرة.
هنا تقدَّم أحد رجال الإطفاء من حمزة الذي يبدو وكأنه الأكثر ثباتاً بين الجميع قائلاً:
_لم نجد سوى آثار للأخشاب المُحترقة فقط بالداخل.
قفز عاصم وعَمَّار إليه فوراً مُتسائلين بلهفة:
_آثار أخشاب فقط؟
_أتعني أن أختي لم تكن بالداخل؟
ورجل الإطفاء_المسكين_ قبل أن يجد رداً وجد نفسه يُجذَب إلى الخلف ليواجه ساري المُحدِّق به بذهول يسأله ويُحذره بعينيه إن لم تعجبه الإجابة:
_هل تقصد أن زوجتي لم تكن بالداخل عندما شَبَ الحريق؟
هز الرجل رأسه نفياً بحذر وهو يعي علامات الجنون على وجه السائل ثم أضاف:
_أؤكد لك أنه لم يحترق بداخل ذلك المخزن سوى بعض ألواح الأخشاب.
ومثلما كانت ملامح الشر المجنون للتو على ملامحه ارتسمت ضحكة أشد جنوناً لم يستطع الرجل استيعابها وساري يجذبه أقرب إليه لــ..
يُقبِّله!
على وجنتي الرجل نثر ساري بضعة قُبلات مُختلطة بالدموع وهو يشكره، ثم انطلق فجأة إلى سيارة عَمَّار هامساً لنفسه:
_لم تعاقبني !
وبنظرة اعتذار ممتزجة بالحرج رمق حمزة الرجل المُندهش، ثم لحِق بِهِم.
...
وفي السيارة وكأنه عاد لينقسم إلى اثنين مرة أخرى، فقد دب النشاط فجأة بجسده وهو يلتقط هاتفه الذي لم يتأثر بشدة من النيران وأعاد الاتصال بآخر رقم ثم هتف:
_هل من أخبار جديدة؟
فجاؤه صوت مُحدثته بلهفة:
_لديَّ أخبار رائعة لكنني أنتظر اتصالك منذ ساعات.
وبلهفة أشد سألها:
_هل عرفتِ المكان الذي يحتجزها به الآن؟
فردت بأسف:
_لا لم أعرف، لكنني توصلت إلى شيء هام للغاية، ربما يفيدك في عثورك على زوجتك.
ثم استدركت قبل أن يسأل:
_لقد وجدت بعض الوثائق التي تُثبِت أن شديد بك يقوم بغش الأثاث الذي تُنتِجه معارضه، وأن الخشب المصنوع منه ذلك الأثاث ليس على تلك الدرجة من الجودة الفائقة التي يدعيها.
عقد حاجبيه بحنق يهتف:
_لا أفهم قصدِك.
فردَّت هامسة كي لا يسمعها أحد:
_إنه يقوم بحشو الألواح بالأسمنت كي يُصبح وزنها أثقل، ثم يبيع معروضاته بأعلى الأسعار لكنها في الحقيقة لا تساوي شيئاً.
ارتسمت نظرة حاقدة بعينيه مُقترنة بابتسامة ساخرة على شفتيه وهو يزفر براحة هاتفاً:
_سيُفيدني ذلك بالتأكيد، أخبريني هل تستطيعين إخباري برقم هاتف أنور مُساعده؟
أجابته مُسرِعة:
_لديَّ رقمه بالفعل، انتظر لحظة!
وأشار بكفه لعَمَّار أن يعطيه هاتفه ففعل فوراً والأمل يدُب في روحه، كتب ساري الرقم الذي أملته المرأة عليه ثم ردد:
_لقد كتبته، الآن حاولي الانصراف من الفيلا بدون أن يشعر بكِ أحد واحتفظي بالملفات ولا تُسلميهم إلا لعاصم، واذهبي إلى الشقة التي أرسلت عنوانها لكِ صباح الأمس.
فأجابته المرأة بحنان:
_سأفعل يا ولدي، اعتني بنفسك جيداً، حفظك الله ورد لك زوجتك.
اجتذب ساري ابتسامة بصعوبة وهو يرد:
_شكراً سيدة سناء!
وعندما أنهى المُكالمة التفت عَمَّار إليه بحدة هاتفاً:
_السيدة سناء؟! مُديرة شئون الفيلا؟!
وبنبرة شاردة أجابه ساري:
_هي بِذاتها!
**********
أنت تقرأ
سَكَن رُوحِي (مُكتملة)
Romanceفتاة يتيمة تضطر للاستقلال بالمعيشة عن خالها لتفاجأ بشخص يتتبعها ويراقبها بكل مكان... ماتنسوش الڤوت والتعليقات لو سمحتم😍😍😍