#الخاتمة_ج(١)
#عهد_الذئاب
_ و لدي ياسين وياسمين...
ولج من باب القصر بعد أن عاد من عمله للتو، يبحث عن روحه التي أشتاق إليها حتي قابل ملك وهي تتمشي مستنده علي ساعد والدتها كما أمرها طبيب العلاج الفيزيائي لكي تتحسن حالتها الصحية والنفسية وتعود للسير مرة أخري ، قام بتقبيل رأس والدته وألقي عليهما التحية وسأل عن ياسمينته العطره ف أبلغته والدته إنها تمكث بغرفتهما بالأعلي.
وفي المرحاض الملحق بالغرفة تقف ب توتر وقلق و عينيها لاتبرح ذلك الشئ الذي يبدو من هيئته إختبار حمل، ف بداخل قرارة نفسها لا تريده في الفترة الحالية، ما زالت غير مؤهلة نفسياً لتحمل تلك المسئولية، و كذلك توجد دراستها التي لم تُنهيها بعد، ما زالت تراقب الإختبار حتي ظهرت العلامة الأولي و بدأت الثانية في الظهور، أصدرت شهقة واضعة كفها علي فمها، ف الأمر بمثابة صدمة لديها، قاطعها صوت فتح باب الغرفة وصوت زوجها منادياً عليها، ألقت علي الفور ما بيدها في سلة المهملات.
_ ياسمينا... ياسمينتي... أنتي في.....
قاطعته ب خروجها من المرحاض، مبتسمة بتمثيل مُتقن قائلة:
_ حبيبي.. ك كنت.. كنت في الحمام.
أقترب منها ولاحظ شحوب و جهها ويديها التي ترتجف عندما ينتابها التوتر، أمسك بيديها وقال:
_ مالك يا حبيبتي... وشك أصفر وإيديكي بتترعش ليه كده؟ .
سحبت يدها وأشاحت وجهها بعيداً عن عينيه، تتناول كوب ماء لتروي حلقها الجاف، أرتشفت حتي ارتوت وقالت:
_ مفيش حاجه يا حبيبي... أنا يمكن بس عشان الإمتحانات قربت ف ببقي متوترة... عادتي بقي زي ما أنت عارف.
وأختتمت كلماتها بإبتسامة خافتة، فتح زراعيه لها ف ركضت كالطفلة التي تحتاج إلي صدرٍ دافئ يحنو عليها ويمدها بالأمان، دفنت وجهها في صدره، ف همس لها وهو يمسد علي خصلاتها المسترسلة:
_ عايزك تهدي خالص و متشيليش هم لأي حاجه... أنا أصلاً قدمت علي أجازة إبتداء من بكرة عشان أتفرغ لك وأقعد أراجع لك كل المواد.
أبتعدت قليلاً و جلست علي حافة التخت بجواره قائلة والسعادة تملأ صدغيها:
_ بجد يا ياسين؟.
أومأ لها، وأمسك ب وجنتيها المرمرتين مجيباً عليها:
_ بجد يا روح ياسين... أنا يعني ليا مين غيرك أفضي له... ده غير بقي محضر لك حتة سفرية منها ترفيه ليكي بعد ضغط الإمتحانات ومنها تبقي تعويض الهني مون الي راح علينا... وأهو نلحق نعيش لنا يومين وإحنا من غير عيال كده.
تبدلت سعادتها إلي الشحوب مرة أخري والوجوم، مما أثارت دهشته، ف قال:
_ في أي يا ياسمين مالك؟.
سألها و عينيه تتفحص ملامحها، أجابت بإبتسامة هادئة مثلها:
_ مفيش يا قلبي... أنا فرحانة جداً ومش مصدقة نفسي.
رمقها بنظرة ماكرة قائلاً:
_ طيب أي الي يثبتلي إنك فرحانة ومش زعلانة..وإن قلبي بيقولي فيكي حاجة و مخبية عليا.
أزدردت ريقها ب توتر تحاول إخفاءه بكل طاقتها، لا تعلم لما تفوهت بالآتي:
_ ياسين أنت نفسك في بيبي؟.
حدق في عينيها لثوان وهو يفكر، ف أجاب:
_ طبعاً نفسي أكون أب... بس شايف إن الوقت مش مناسب خالص... أنتي لسه مخلصتيش دراستك و مش عايز أحملك المسئولية بدري.
و بعد أن كانت علي وشك إخباره لكنها تراجعت، لا تعلم لما، أو ربما كما بررت بداخلها بأن تخبره لاحقاً في الوقت المناسب حتي لا تفسد عليه تلك اللحظة من فرح وسعادة.
لاحظ شرودها ف أستطرد:
_ متحاوليش تغيري الموضوع وتضحكي عليا... عايز الإثبات.
أنتبهت له من شرودها:
_ إثبات أي.
أشار لها بالإنتظار، وأتجه نحو الباب ألقي نظره بالخارج يراقب الرواق، ثم عاد إلي الداخل و هو يوصد الباب بالمفتاح تحت نظراتها المتعجبة.
_ بتقفل الباب بالمفتاح ليه؟.
رمقها ب ذات النظرة الماكرة و يعض علي شفته السفلي، ف قال:
_ مش قولتلك إن واخد أجازة عشان أذاكر لك... تعالي أعملك مراجعة.
تراجعت إلي الخلف حتي وقعت علي التخت و تكمل تراجعها بالتزحزح إلي الوراء، و هي تقول له بصوتها الأنثوي الناعم:
_ ياسين... بس أعقل إحنا بالنهار... والشغالين رايحين جايين في الطرقة بره.
خلع قميصه القطني ليبدأ في خلع ساعة يده قائلاً:
_ و فيها أي... بابنا مقفول علينا وبالمفتاح كمان... يعني مفيش مشكلة.
_ لاء فيه... أصدي يعني عايزة أزاكر ورايا مواد لسه مخلصتهاش الأنثروبولوچي و غيرها.
جثي علي التخت ب ركبتيه وأمسك ب ساقيها ليوقفها.
_ ما أنا هزاكر لك برضو الي بتقولي عليها دي و فيسولوچي وسيكولوچي وأهم منهم كلهم البيولوچي.. عايزك تركزي معايا عشان تجيبي إمتياز.
و أختتم كلماته بغمزة من عينه.
_ أي الي أنت بتقوله ده... هااااا.
حاولت التملص منه ولم تنتبه إنها علي الحافة الأخري، شهقت ب ذعر وكادت تقع ف أمسكها من خصرها، تشبثت به و قلبها يخفق بقوة، رفعت عينيها الذهبيتين لتتلاقي مع رماديتيه التي تنضح بالعشق و الإشتياق.
تساءل ب هيام غامر:
_ بتحبيني؟.
أجابت ب وله و تيه:
_ أنا بتنفسك و عايشة بيك يا ياسين.
غر فاهه من جملتها التي أهلكت كل ذرة به بالكامل.
_ و أنتي ليا روحي و حياتي و عمري كله.
•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°••°•°••°•°•°
_ و بينما علاء و مريم بعدما أقام لها حفل زفاف كبير شهدته منطقة سكنها، تجمع به كل الجيران والمعارف لتهنئتهم والمباركة لهما، و بعدها ذهب إلي منزل الزوجية المنُفصل عن منزل عائلته حيث يريد راحة زوجته وإبعادها عن مكائد والدته التي لن تتغير قط.
و بعد عدة شهور، هنا علي شاطئ عجيبة التابع لمحافظة مرسي مطروح، تعد مريم بعض الشطائر لتنتهي منها حتي تنهض بثقل قليلاً، ف ذلك بسبب بطنها المنتفخ من الحمل، صاحت بأقصي ما لديها من صوت:
_ علااااء... تعالي عشان تاكل.
أشار لها بيده من وسط المياه حيث يسبح، أجاب بصوت جهوري:
_ جاي يا حبيبتي.
خرج بجسده المبتل و قطرات المياه تتلألأ علي بشرته، يهز رأسه يميناّ و يساراً حتي تناثرت المياه من خصلات شعره.
_ خد البشكير ده نشف جسمك بسرعة عشان متبردش.
قالتها مريم، ف تناول المنشفة من يدها، أخذ يجفف جسده وشعره،و قبل أن يأكل أختطف من ثغرها قطعة سكر قائلاً:
_ الله، أهو أنا كده حليت قبل الأكل.
_ يا سلام، ثبتني عشان ما أفتحش معاك موضوع الشغل تاني.
تبدلت ملامحه من البسمة إلي الضيق والوجوم، ف قال:
_ يعني هاعيد وأزيد في موضوع محسوم أمره من الأول.
_ و فيها أي يعني ما كل الستات بتشتغل و هي حامل، و بعدين ده هيبقي شغل مريح جداً و علي مكتب.
صاح ب غضب ٍ:
_ مريم، قولت خلاص.. مفيش شغل يعني مفيش، أنا بغير عليكي بجنون، و عمري ما هسيبك في حته لوحدك.
قالت بإعتراض و تعجب:
_ أنت مش واثق فيا؟!.
زفر ب نفاذ صبر، و أجاب:
_ أحنا هنعبط في الكلام... أي مش واثق فيكي دي... طبعاً واثق فيكي أكتر من نفسي... بس معنديش ذرة ثقة في الي حواليكي، و قايلك من أول ما أتجوزنا، و بعدين ما أنتي عندك بدل محل الهدوم تلاته، مش ده شغل برضو؟ .
_ مقولناش حاجة، بس مش بقف في أي واحد فيهم، الي هو يعني صاحبتهم بالأسم و بس.
_ و مش هتنزلي، مراتي ما تقفش في محل و الي رايح والي جاي يبص لها ويتغزل فيها.
_ ما أنا كنت بقف عادي قبل الجواز... والحمدلله لبست الحجاب ولبسي واسع.. يعني محدش يقدر يبص لي بصة كده أو كده.
قالتها و زمتت شفتيها ب تذمر
_ أديكي قولتيها قبل الجواز، وأنا مكنش ليا حق ولا سلطة عليكي ساعتها، لكن دلوقتي أنتي مراتي.
أنتفخت أودجها بحنق ، وقالت بتأفف:
_ و ده أسمه أي بقي يا علاء بيه!.
أقترب منها، و أخفض من وتيرة صوته قائلاً ب عشق:
_ إسمه بعشقك و بموت فيكي، و بغير عليكي لدرجة لو شوفت حد بصلك بصه هاخزق له عينيه.
إبتسمت رغماً عنها، وقالت:
_ للدرجدي بتحبني أوي يا ويل ويل.
رفع إحدي حاجبيه و قبض علي رسغها قائلاً:
_ أنتي عرفتي منين ويل ويل دي؟.
أتسع ثغرها بإبتسامة نصر، ف أجابت:
_ من أختك فاتن حبيبتي، أتصلت بيا و كانت بتسأل عليك، قعدت تستعيد ذكريات الطفولة.
يستمع لها و ملامح وجهه تشتد حنقاً و إحمراراً، ما زالت تتحدث:
_ و قالتلي كل ما كانت تحب تغيظك تقولك يا ويل ويل.
ترك يدها وقال:
_ وأنتي بقي ما صدقتي و قعدتي تضحكي.
أومأت له بضحك مثل الطفلة، وقالت:
_ بصراحه اه.
نهض و وقف أمامها بطوله الفارع، واضعاً يديه في خصره، ف تساءل:
_ كلتي و لا لسه؟.
أجابت ب سذاجة:
_ اه سبقتك، أعمل أي بقي في إبنك المفجوع، أكلت لحد دلوقت عشر سندوتشات وحاسه بالجوع.
إبتسم ب مكر و دهاء، ليفاجئها بحملها علي زراعيه، صرخت ب ذعر و خوف:
_ نزلني يا علاء يا مجنون.
_ متخافيش يا حبي أنا هاخدك تغطسي شوية.
صاحت و هي تركل بقدميها وتلكزه في صدره:
_ ميه لاء، أنا بخاف من البحر، نزلني بالله عليك.
_ مش عايزك تخافي من حاجة وأنا معاكي.
قالها ب هيام و نظراته لاتبرح فيروزتيها الساحرة أثر إنعكاس غروب الشمس عليهما ، كادت تجيب عليه ف أصدرت شهقة وتشبثت بيديها حول عنقه عندما وجدت إنهما في المياه.
_ علاء.
أجاب و شفتيه تتذوق بشرة وجنتها:
_ عيونه.
_ رجعني الشط أنا خايفه.
أجاب و قد أقترب علي ثغرها:
_ وهتغيظي فيا وتقوليلي يا ويل ويل تاني؟ .
_ لاء والله مش هقولك كده تاني... حرمت.
خلع حجابها بعدما تأكد من خلو الشاطئ من الناس ما عدا كليهما، ليكمل وصلة قبلاته علي عنقها، قائلاً :
_ مش كفاية.
أغمضت عينيها وتمسكت به أكثر، قالت:
_ طيب عايز أعتذرلك إزاي؟.
توقف عن تقبيل عنقها، و حدق في عينيها ليخفض بصره نحو حبات الفريز خاصتها، ف أجاب:
_ عايزك تعتذري لي كده.
قالها و قام بالغطس معاً أسفل المياه منقضاً علي شفتيها بنهم.
•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•
_ و لدي آسر و هاجر الثنائي المرح ... لم يكل ولا يمل إحدهما عن مشاكسة الآخر لاسيما المقالب الخفيفة التي تنقلب بعد ذلك إلي لحظات رومانسية حالمة... يستغل آسر حالة هاجر من التيه والغرام ويقتطف قطعة سكر أو يجذبها بين زراعيه ليشعر بدفء لن يجده سوي معها فقط، و كأنه طير يحلق بين السحاب حتي يصطدم في ناطحة سحاب تجعله يرتطم علي الأسفلت وما هي إلا هاجر عندما تعود إلي رشدها وتلكزه في صدره بصياح:
_ إبعد عني يا قليل الأدب.
تحولت ملامحه من الصدمة إلي الغضب... صاح بها أيضاً:
_ أنا جوزك يا هاجر هانم ومن حقي أعمل الي أنا عايزه.
شهقت بخجل وقامت بتكميم فاهه بكفها الرقيق: _ أي الي أنت بتقوله ده!.
أزاح كفها من فوق فمه وأجاب بحنق يقترب إلي الغضب:
_ بقول أن خلاص جبت أخري... أجلنا فرحنا عشان وفاة بابا يوسف الله يرحمه مر الشهر والتاني وكل ما أجي أفتح معاكي الموضوع تطلعي بأي حجه... أصل خالتي تعبانه... عمتي أتشلت... خالي بيعمل عمره... مرات عمي ولدت... أي كل ده... أستني عيلتك كلها يعني لحد ما يخلصو أشغالهم نتجوز بقي ساعتها يكون أنا وأنتي بقينا بنودع الدنيا قبل ما ندخلها.
لم تتمالك أعصابها قط، فأنفجرت من الضحك لتجد ملامحه كالبركان الذي علي وشك أن يثور وتتقاذف حممه... ركضت تحتمي خلف الكرسي.
_ خلاص يا حبيبي مش هاضحك تاني... أصل بصراحة شكلك وأنت بتزعق وغضبان خلاني مقدرتش أمسك نفسي من الضحك.
أفرغ غضبه ب زفرة قوية حتي لايثور عليها وقال:
_ ماشي يا هاجر أنا هاسيبك تضحكي براحتك علي الآخر... بس يكون في علمك فرحنا هيكون إن شاء الله علي آخر الشهر ده... عارفة لو الحرب العالمية التالتة قامت هانتجوز يعني هانتجوز... و ده آخر كلام عندي.
_ ينصر دينك يا جوز بنتي... ولو عايزها من دلوقت أنا هخلي مامتها تحضرلها هدومها في كيسه سوده من المطبخ وتاخدها معاك أنا موافق... ده دلع بنات أسألني أنا.
قالها والد هاجر ممسكاً بصينية يعلوها كأسين من العصير.
تناول آسر الكأس وأرتشفه علي دفعة واحدة ثم قال:
_ تسلم يا عمي... أنا أديتلها مهلة لأيام عشان ميبقاش عندها حجة... وهي عارفاني لو مسمعتش الكلام هاعمل أي.
أمسك بطرف سترته ليفسح لها مجال لرؤية محتوي الجيب العلوي الداخلي حتي تري بريق شيئاً معدنياً... ف أدركت إنه المشرط خاصته الذي لا يفارقه بتاتاً، حينها أختفت السعادة من فوق ثغرها وتبدلت إلي نظرة خوف وهي تومأ له موافقة بملامحها الطفولية التي تجعله يريد أن يرتمي علي الارض من الضحك.
•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°
_ و لدي چيهان... أصبحت في حالة إنعزال، جميعهم قد أنتابهم القلق بشأنها، ف منذ وفاة عزيز و هي صامتة لا تتحدث سوي بالقليل من الكلمات أو بإقتضاب.
حينهاظن أبنائها ما هي إلا حالة الحزن علي فراق زوجها، لايعلم إحدهم بالصراع الناشب بداخلها من حزن و شعور بالذنب، خاصة عندما أخبرها إنها لن تحبه يوماً، فكانت الحقيقة العارية التي طالما أخفتها منذ سنين ولت علي عشقٍ وأد منذ ولادته، دُفنَ في أعماق القلوب، ظن أصحابها قد تناسي ومُحيا من الذاكرة.
لايعلمون أن هذا العشق كالجمار الخامدة مع أول ريحٍ عاتية تعصف بكيان تلك القلوب، تشعل النيران مرة أخري، نيران إذا لم تجد من يمدها بالحياة ستحرق أصحابها ليعيشو كالأحياء الأموات بدون روح، بدون قلب.
_ و في الصباح الباكر كعادتها اليومية، ترتشف القهوة في حديقة القصر، و عينيها تتأمل أوراق الأشجار التي بدأت أن تذبل و تتساقط.
قاطع تأملها إحدي الخادمات فقالت لها:
_ چيهان هانم... في ضيف دخل المكتب عايز يقابل حضرتك.
أنبلجت الدهشة علي ملامحها، قائلة ب تعجب:
_ المكتب! .
أدارت مقبض الباب و ولجت إلي الداخل تبحث ببصرها عن هذا الضيف، وجدته مولياً لها ظهره، وجدت قلبها يخفق بقوة، ذلك الشعور الذي ينتابها دائماً عندما تراه، بينما هو واقفاً يغمض عينيه ليستنشق عبير عطرها الذي سبقها، يستعيد الكثير من الذكريات القديمة لهما، و ود لو عاد بهما الزمن إلي الوراء، فتح عينيه عندما أحس بإقتراب خطواتها الهادئة نحوه و أعزب لحن قد سمعه عندما تفوهت:
_ عابد؟ .
ألتف إليها و نظرات عينيه كفيلة بأن تبلغها ما يريد البوح به، إبتعدت خطوة إلي الخلف و أخفضت بصرها عنه نظراته التي أربكتها، فقال لها:
_ مكنتيش متوقعه زيارتي ليكي؟ .
أجابت وهي تتفادي النظر إليه مباشرة:
_ أصل... يعني مكنتش متوقعة زيارتك، خصوصاً عرفت إنك بعد وفاة عزيز الله يرحمه إنك سافرت.
_ كنت مسافر عشان أصفي أي شغل ليا بره، لأن قررت خلاص الي فاضل في عمري هعيشه هنا في مصر ومعاكي.
أتسعت عينيها لإستيعاب ما ألقاه لتوه، أستطرد موضحاً:
_ تتجوزيني يا چيهان؟ .
جلست علي الأريكة، في محاولة إستيعاب ما تحدث به الآن، و هذا ما كانت تخشاه، و ما أن لم يجد منها إجابة، جلس أمامها علي الطاولة و أمسك بيديها، و بنبرة أقرب إلي الرجاء:
_ وافقي يا چيهان، إحنا خلاص مبقاش في عمرنا كتير للفراق مرة تانية، القدر بيدينا فرصة عشان نعوض الي ضاع مننا.
وهنا تحدثت بإيثار:
_ و ولادي؟ .
ترك يدها وجلس بمحاذاتها ثم أجاب:
_ مالهم ولادك!... كل واحد منهم ليه حياته الي أتجوز و ملك ويوسف خلاص كلها أقل من شهر و تفرحي بيهم.
لم تجد مفر من تطلق لعبراتها المكنونة، أجهشت بالبكاء، زفر بضيق من نفسه، فأستطرد حديثه:
_ بتعيطي ليه دلوقتي، كل ده عشان جايلك أقولك إن بعد السنين دي كلها لسه بحبك!... و كنت بدعي ربنا ليل ونهار أنك تكوني ليا قبل ما أموت!.
توقفت عن البكاء و رمقته ب دهشة ليكمل مبتسماً:
_ ما هو زي ما في قيس مجنون ليلي، فيه عابد مجنون چيچي.
أخرجت من جيب معطفها القطني محرمة ورقية، كادت تجفف بها عبراتها، ف سبقها هو بتناولها من يدها ليجفف عبراتها، رفعت وجهها لتلتقي زرقاويتيها مع رماديتيه الداكنة، تعالت خفقات قلبيهما، تارة يحدق في عينيها وتارة يرمق شفتيها وهي تزدرد ريقها من قربه الشديد هذا، مال ب رأسه حتي يتجرع منها قبلة المحياه لكنها أبتعدت فجاءة و نهضت قائلة:
_عيب كده يا عابد إحنا مش صغيرين علي حركات المرهقين دي.
تنهد ب سأم، يحاول السيطرة علي أعصابه، ضرب الحائط بقبضته ثم قال ب حسم وإصرار:
_ ماشي يا چيهان، إحنا فعلاً مش مراهقيين، بس يكون في علمك أنا مش هتراجع عن طلبي، و عشان يبقي عداني العيب هاسيبك تقعدي مع نفسك وترتبي حالك لحد يوم فرح ولادك، لأن وقتها هايكون معايا المأذون وهكتب عليكي...
سلام.
قالها وأتجه نحو الباب، و قبل مغادرته ألتف لها و أردف:
_ علي فكرة قبل ما أجيلك النهاردة قعدت مع ولادك و طلبتك منهم للجواز، وعكس ما توقعت رحبو جداً وقالولي أهم حاجة سعادة ماما، أظن كده ملكيش حجه، وبالمناسبة أنا مش بخيرك، جوازنا أمر محسوم، سلام يا چيچي.
أنهي حديثه بمناداتها بأحب أسماء الدلال طالما كان يناديها بها، ظلت تنظر في أثره بعدما غادر، تجلت إبتسامة مشرقة علي محياها، أمسكت بقلادتها التي لم تفارق عنقها منذ صباها، قامت بتقبيلها وقالت:
_ و أنا عمري مانسيت حبك يا عابد عشان أحبك من أول و جديد!.
•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•
_ توقفنا لدي إيهاب و رحمة عندما بدأت الحياة تفتح لهما زراعيها وتملأها السعادة، و أصبح هكذا الحال بينهما و أحياناً يعكر صفو ونقاء ما بينهما القليل من المشاكل الحياتية بين أي ثنائي من الأزواج، ف ذلك يكسر من حالة الرتابة والملل وتجعل كل أحداً منهما يعلم مدي حبه و عشقه للآخر.
و قد نتج عن هذا الحب ثمرة علي هيئة ملاك صغيرة، ورثت من والدها ملامحه وتقاسيم وجهه الوسيم، ومن والدتها الوداعه والسماحة والطيبة .
_ نزلني هنا لو سمحت.
قالتها رحمة إلي السائق، و ترجلت من السيارة و علي يديها رضيعتها، أخرجت هاتفها من حقيبة يدها ب تعثر، لتجري مكالمة ب زوجها ف وجدت للمرة المائة هاتفه مُغلق، زفرت ب حنق وألقت هاتفها بداخل الحقيبة قائلة:
_ ماشي يا إيهاب، أديني طالعه أشوف مين الي أنت قاعد معاها وقافل موبايلك عشانها.
ولجت إلي داخل البناء، و رحب بها الحارس:
_ أهلاً وسهلاً يا مدام رحمة، المكان نور بيكي وبالست هنا.
أجابت مبتسمه:
_ تسلم يا عم حنفي، هو إيهاب بيه فوق؟.
_ آه لسه جاي من شويه و معاه عميلة بتجيلو مرتين في الأسبوع، وأداني مفاتيح العربية و ديتهاله البنزينة عشان تتغسل.
_ أتفضل يا عم حنفي ولو محتاج أي حاجة أبقي كلمني.
قالتها وهي تعطيه بعض ورقات من المال، مثل كل مرة عندما يبلغها بما يحدث، ف هذه العادة صارت في الآونة الأخيرة بعد محاولة موكلة لدي زوجها تدعي شاهنده بالتقرب منه بأكثر من طريقة حتي أنتهي الأمر ب عرض الزواج عليه سراً و هكذا علمت رحمة من خلال رسالة نصية أرسلتها الأخري لإيهاب عبر تطبيق الرسائل الشهير علي الهاتف، حينها أشتعلت نيران رحمة غضباً ولم تنتظر ردة فعل زوجها، ف أخذت ملف قضيتها و أرسلته إلي زوج الأفعي كما أطلقت عليها و كل ما كانت ستسخدمه ضده حتي تأخذ حكم الطلاق عنوة عنه بكامل حقوقها، لكن هنا كانت الغلبة لكيد النساء، علم إيهاب بأن موكلته حُكم عليها بالمكوث في بيت الطاعة رغماً عنها و هذا بعد إستغلال زوجها بكل ما أرسلته رحمة إليه، ف لن تكتف ِ بهذا فقط بل و ذهبت حيثما تمكث و جلست أمامها بكبرياء وشموخ أنثي تخبرها بأن كل ما حدث لها هي وراءه و قامت بتحذيرها بعدم العبث معاها مرة أخري، ف زوجها ملكيتها الخاصة لها فقط، ومن تحاول الإقتراب منه سوف تقتلع خصلاتها من الجذور و تجعلها عبرة لكل النساء.
_ وبالأعلي دخلت إلي ردهة الإستقبال، ف وقعت عينيها التي تأججت بداخلها ألسنة اللهب فور رؤية تلك الفتاة المرتدية كنزة متسعة الصدر وبأكمام قصيرة، تجسد مفاتنها و عندما نهضت و هي تقول لها :
_ أهلاً يا فندم، أي خدمة حضرتك؟.
تفحصتها رحمة من أسفل حيث تنورتها الضيقة للغاية والقصيرة أيضاً حتي وصلت إلي ملامح وجهها الملطخة بالزينة والتبرج السافر، قالت:
_ أنتي مين؟ .
أجابت الأخري وهي تحرك شعرها إلي الخلف ب دلال وإستفزاز:
_ أنا مايا، سكرتيرة مسيو إيهاب.
_ والله عال، بقي رميني في البيت أنا وبنته وجايبلي واحده شبه الي بيجو في الكليبات وكمان بتقولو مسيو.
قالتها رحمة بصوت غير مسموع للأخري سوي همهمات
_ سوري مدام، حضرتك بتقولي حاجه؟.
و قبل أن تجيب، أنفتح باب المكتب و خرجت سيدة تقول بدلال:
_ أورڤوار مسيو إيهاب.
وقبل أن تغادر إبتسمت إلي مايا وقالت:
_ عايزة حاجة يا ميوي.
_ ميرسي يا ماجي يا حبيبتي، خلي بالك من نفسك.
أشارت لها الثانية بيدها قائلة:
_ ميرسي حبيبتي، باي.
بادلتها بنفس الإشارة وأجابت:
_ باي.
تركتها رحمة وأتجهت نحو الباب ولم تعد تري أمامها، ركضت مايا خلفها:
_ أي ده، بتعملي أي يا...
دخلت رحمة فجاءة علي إيهاب وكان يقرأ في ملف أمامه علي المكتب، و عندما تفاجئ بوجود رحمة، تعجب وأندهش من زيارتها المفاجاءة.
_ عيب كده يا مدام ميصحش....
قاطعها إيهاب قائلاً:
_ روحي أنتي يا مايا وخلي الأوفيسر يعملنا فنجان قهوة سادة وعصير مانجا.
أومأت له قائلة:
_ أمرك يا مسيو.
ذهبت، و إيهاب ينظر إلي رحمة بعد أن وضعت صغيرتها النائمة علي الأريكة، و نظراتها كانت لا تُبشر ب خير علي الإطلاق.
_ أي الزيارة المفاجأة دي يا رحمة!.
أقتربت نحو المكتب و جلست أعلاه ثم وضعت ساق فوق الأخري، و أمسكت بكرة بللورية زينة تحدق بها، ف أجابت:
_ أصل عماله أتصل عليك و بيديني مغلق أكتر من ميت مرة.
رمقته بنظرة مرتقبة و أكملت:
_ مكنتش عايزني أجيلك ولا أي.
إبتسم رغماً عنه، ف هو علي دراية بسبب تلك الزيارة و ما ترمي إليه من خلال أسلوب حديثها معه، نهض و وقف أمامها، ف أخذ الكرة و وضعها جانباً، قائلاً:
_ بالعكس ده أنا مبسوط جداً عشان كنت وحشاني من الصبح ونفسي كنت أسمع صوتك، وأديكي جيتي وشوفتي مشغول أد أي.
زمتت شفتيها لأسفل بحزن مصتنع وقالت بتهكم: _فعلاً مشغول يا عيني، بيتقال لك يا مسيو وبتروح تجيب العملاء بتوعك من بيوتهم لحد باب المكتب.
رمقها بإمتعاض وقال:
_ أصدك أي؟.
ضيقت عينيها وأجابت:
_ أصدي زي ما فهمته كده بالظبط.
زفر بتأفف و حك ذقنه ليتمالك غضبه، فقال:
_ بصي عشان أنا تعبت من الشك وتحقيقاتك الي مبتخلصش، للمرة المليون يا رحمة ملكيش دعوة بشغلي، ولا أسيب المحاماه خالص عشان ترتاحي!.
نزلت من أعلي المكتب و وقفت أمامه مباشرة:
_ أنا مش شكاكه لكن إسمها بغير عليك ومن حقي ولا ناسي شاهنده الزفت.
_ لاء مش ناسي ولا ناسي الي عملتيه و المشكلة الي حصلت بسبب ملفها الي خدتيه و أدتيه لجوزها، ده عيب في حقي وإسمها خيانة للأمانة.
صاحت و هي تشيح بيدها :
_ وإسمها خيانة ليا، لما أتفاجئ بالحية دي وهي بتطلبك للجواز وهي لسه مطلقتش من جوزها، يعني خاينة وسافلة وخطافة رجالة.
صاح بنبرة أرعبتها:
_ رحمة، كفاية، مش هانعيد ونزيد في الموضوع ده تاني، أنا عذرتك وقتها لأن كان عندك حق، بس مش معناه أنك تتصرفي من دماغك تاني من غير ما ترجعلي!.
_ ماشي هقفل علي الموضوع، بس ممكن أعرف مين الي سيادتك مشغلها بره دي و التانيه الي لسه خرجه من عندك عماله تتمرقع وتقولك أورڤوار مسيو إيهاب، قال ماجي قال، أول مرة أشوف مكعب شوربة بيتكلم.
لم يستطع كبح قهقته، ف أطلقها وقال:
_ يخرب عقلك يا رحمة، أنتي ملكيش حل، علي أد ما بتخليني علي أخري منك في نفس الوقت عليكي إفيهات بتموتني من الضحك.
قالت بحنق:
_ إضحك.. إضحك، أنا دمي يتحرق بجاز وأولع مش مشكلة وأنت ولا علي بالك.
أقترب منها متوقفاً عن الضحك، وقال بنبرة حانية:
_ رحمة قلبي وحياتي مالها زعلانه ليه؟.
لكزته في صدره وأبتعدت قائلة:
_ عشان عارف بغير عليك موت وبتتعمد إنك تضايقني... وبقالك فترة بتتأخر وكل ما أسألك تقولي شغل.
_ أقسم بالله يا حبيبتي أخري مع أي واحده كلام في نطاق الشغل ولا أكتر ولا أقل، ويعلم ربنا عمري مابصيت لواحدة، لأن الحمدلله عيوني وقلبي مليانين بأجمل وأرق إنسانة في الكون كله.
ولت ظهرها إليه، و قالت:
_ طيب عشان أتأكد من كلامك أطرد الحرباية الي بره دي وأرفض قضية الي إسمها ماجي.
أحتضنها من ظهرها و أستند بذقنه علي كتفها ينظر إلي الشارع عبر زجاج الشرفة:
_ مايا السكرتيرة كده كده شهر وماشيه عشان هاتتجوز، و ماجي آخر جلسة ليها والنطق فيها بالحكم الأسبوع الجاي وبعدها هتسافر كندا لأهلها هناك.
ألتفت بين زراعيه ليصبح وجهها في وجهه:
_ بجد يا إيهاب؟.
رمقها باللوم وعتاب وقال:
_ عيب يا حبيبتي لما تشككي في كلامي، أنا عمري كدبت عليكي؟.
أراحت رأسها علي صدره وحاوطت جذعه بزراعيه، ف أجابت:
_ طبعاً لاء، أعمل أي بحبك أوي يا إيهاب و مقدرش أستحمل نظرات الستات ليك ولا طريقة كلامهم معاك، ببقي نفسي أخطفك وأخبيك جوايا.
همس بنبرة رجولية ساحرة لقلبها وعقلها وحواسها الغامرة وهي بين زراعيه:
_ طب ما تخطفيني دلوقتي وخبيني جواكي.
أشتدت من عناقها له، ف أردف:
_ هو ده أخرك في الخطف!.
قالها و أبتعد عنها و هو يرمقها بنظرة تعلم ما سيفعله بعدها، باغتها بالإنقضاض علي شفتيها بقُبلة جعلتها تنفصل عن الواقع، وبعد قليل دفعته في صدره بخفة لكي يبتعد عنها وتستطيع إلتقاط أنفاسها.
حاوط وجهها بين راحتيه، وتساءل بنبرة ظمآن لم يرتوي بعد:
_ حبيبتي، أنتي كويسه؟.
أجابت و هي ترمقه كالغائبة:
_ اه.
تركها و سار إلي المكتب وتناول سلسلة مفاتيح، ف عاد إليها و رفعها أمامها:
_ ده سبب تأخيري الأيام الأخيرة.
أخرج من جيب سترته الداخلي ظرف ورقي ثم أعطاها إياه، أخذت منه المفاتيح والظرف والحيرة والإستفهام يرتسمان علي ملامحها.
_ أفتحي الجواب.
قالها و ظل يراقب ردة فعلها، خاصة بعد فتحها للظرف، تبين لها من قراءة محتواه إنه عقد تمليك عقار، و ما جعل قلبها يخفق بقوة وعينيها أتسعت من المفاجاءة بأن أسم المالك هو أسمها الثلاثي.
_ أنت أشتريت شقة وكتبتها بأسمي!.
قالتها بسعادة عارمة و عبرات الفرح تجمعت في عينيها، أجاب عليها و يضمها إلي صدره بعشق:
_دي أقل حاجة ممكن أقدمهالك، ولو كان في إستطاعتي كنت أشتريتلك قصر، لأنك ملكة يا رحمة، ملكة عقلي وقلبي، الي خطفتني من أول ما شوفتها.
_ أنا مبعرفش أتكلم أو أعبر عن مشاعري زيك بالكلام و.....
وضع أصبعه علي فمها لتصمت وعانقها مرة أخري بقوة قائلاً:
_ أنا يكفيني الفرحة الي شايفها في عينيكي، دي عندي بألف كلمة حب، و ده غير ربنا رزقني منك بأجمل هنا.
أصدرت الصغيرة صوت مناغاة و كأنها تجيب عليه، ف قهقه إيهاب ورحمة وأتجه كليهما نحو صغيرتهما، حملتها رحمة ورمقتها بإبتسامة و تداعبها وكذلك أيضاً إيهاب، الذي حاوط كتفيها بزراعه وضمها إلي صدره وقام بتقبيل رأسها، فما أجمل من تلك الصورة قلبين يغمرهما الحب والفرح و ثالثهما قلب صغير يملأ حياتهما بالأمل والحبور.
•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°
_ و لنذهب إلي شيماء و طه الذي حُكم له بالبراءة في قضية القتل دفاعاً عن النفس و ذلك من الجلسة الأولي، ف عندما أنتهي من الإجراءات الروتينية في سراي النيابة العامة وإخلاء سبيله ، وجد شيماء وخديجة وآدم جميعهم في إنتظاره، حينها لم تتمالك شيماء عبراتها التي أنفجرت للتو و قدميها تركض نحوه و أرتمت علي صدره تبكي بحُرقة مُعتذرة عن ما أقترفته من قتل عبدالله وهو نال الجزاء بدلاً منها، عانقها بقوة ويلقي عليها كلمات ما بين الرجاء أن تكف عن البكاء وأخري تُعبر عن شوقه الجارف لها وإنه علي أُُهبة الإستعداد بفداءها و لو ب روحه، ف هي عشقه و هيامه وداءه و دواءه و مسكنه الذي يتربع فؤاده علي عرش قلبها الحنون.
_ و بعد عودته من عمله في المساء، حيث يعمل حالياً في شركة البحيري و قد قام آدم بترقيته و جعله رئيس قسم الإنتاج و هذا بعدما أثبت كفاءته في مجاله.
ولج إلي الداخل ليتفاجئ بظلام مُعتم في أرجاء المنزل، ف أخذ يُنادي:
_ شوشو، ريتاچ.
لم يتلق رداً ، سار بخطي حذره باحثاً عن زر الإضاءه، و ما أن وصل له أشتعلت الإضاءة مع صوتها الذي يُطرب قلبه عشقاً:
_ كل سنة وأنت طيب يا نور عيون شوشو.
وقع بصره نحوها، تقف بطلتها الباهية مرتدية ثوباً حريرياً بللون النبيذ الأحمى، ينسدل علي منحنياتها، و خصلات شعرها الغجرية حالكة السواد تُزين وجهها الباسم، تحمل بين يديها قالب حلوي تتوسطه شمعة واحدة علي شكل قلب، أتسع ثغره بسعادة و ذهول من تلك المفاجاءة، كيف لها تتذكر يوم ذكري مولده وهو ذاته قد تناسي هذا اليوم، وضعت القالب بأعلي المائدة المليئة بكل ما لذ و طاب من أطعمة و حلوي شهية من صنع يديها.
_ و ده علي أساس إن عندي سنة! .
قالها مازحاً، فأجابت وهي تقترب منه وأمسكت بيديه:
_ عارفة طبعاً إنت تميت كام سنة، بس أنا وأنت كل واحد فينا أتولد من أول وجديد علي أيد التاني.
جذبها إلي صدره محاوطاً خصرها بكفيه، وقال:
_ و أنا فعلاً أتولدت علي أيديكي، حياتي و قلبي الي معرفش الحب غير لما دق ليكي.
أراحت برأسها علي صدره وقالت:
_ أنا بعشقك وماليش غيرك في الدنيا دي كلها، أنت مش جوزي وبس يا طه، أنت ضهري الي بتسند عليه والحضن الي بحس جواه بالأمان.
أحس بسائل دافئ يخترق نسيج قميصه، ف أدرك ماهيته، رفع وجهها بين كفيه وقال:
_ طيب بتعيطي ليه دلوقتي؟ .
أجابت من بين عبراتها:
_ عشان خايفة.
طبع قُبلة فوق جبهتها وقال:
_ خايفة وأنا معاكي؟ .
_ خايفة ليكون بحلم و أصحي ألاقي نفسي وحيدة بعد ما أتعلقت روحي بيك وقلبي بُحبك، يعني من غيرك أموت.
ضم رأسها إلي صدره وهو يستنشق عبيرها بقوة مغمض العينين، قائلاً :
_ ده أنا الي ماصدقت لاقيتك و مفيش قوة في الدنيا تقدر تبعدني عنك غير لما ربنا يستلم أمانته.
_ بعد الشر عليك، ربنا يجعل يومي قبل يومك.
_ أوعي تقولي كده تاني، الموت عمره ما كان شر خصوصاً لو مُت وأنا جمبك أو في حضنك، وربنا يبارك في عمرك و تربي ريتاچ بنتنا و تسلميها لعريسها.
قالت:
_ أنت هاتعيش وتفرح بيها و هتسلمها لعريسها هي وأخوها ويمكن أختها.
أصابته قشعريرة عندما تفوهت بكلماتها تلك، فقال ليتأكد من حدسه:
_ أنتي...
هزت رأسها بالإيجاب والإبتسامة تغمر محياها، واضعة يدها علي بطنها، قائلة:
_ أنا حامل.
قفز مبتعداً عنها من فرط سعادته من هذا الخبر ، لطالما تمني منذ شهور بأن يرزقه الرحمن بالذرية منها.
_ أنا بقيت بابا؟ .
أجابت و هي تقهقه علي ملامح وجهه المُذبهلة:
_ و أحلي بابا كمان.
قام بحملها وأخذ يدور بها في الردهة وهي تفرد زراعيها في الهواء و الفرح والسرور يغمر قلوبهما العاشقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ