١. ليل تاهير المظلم

106 5 3
                                    


لم تكد الشمس تغرب في هذا اليوم المشهود حتى التمعت الأضواء القوية في القصر الملكي الذي يتوسط مدينة تاهير العظيمة.. مدينةٌ ازدهرت وانتعشت بتوسطها مملكة وولتاك، وتوسط المملكة القارات الثلاث التي تشكل أغلب أرض مآرا، مستحقةً بذلك لقب (قلب مآرا) الذي يفخر به شعبها.. مملكة وولتاك لم تكن بقوة مملكة شادوم ولا بما كانت عليه مملكة الثلج، لكنها احتفظت بحكمٍ ثابت وحافظت على حدودها بغياب أي معادين لها في الممالك والأقاليم القريبة طوال العقود الماضية..

يقع القصر على ربوةٍ مرتفعة، حفّت بالأشجار والشجيرات المزهرة، غير بعيدٍ عن البحيرة الضخمة التي تحد العاصمة جهة الجنوب، والتي تتدفق الأنهار منها حتى تصب في البحر غربي البلاد.. تتابعت العربات القادمة نحو القصر، والتي لا تمر قبل أن يتأكد الحرس من هوية من تحمله في قلبها والدعوة الموجهة له شخصياً.. فالحفل مقتصرٌ على المدعوين من كبار الشخصيات والنبلاء والقادة، بالإضافة لعددٍ من الضيوف من أقاليم وممالك أخرى، احتفاءً بخطبة الأمير جومين، وريث عرش وولتاك، على الأميرة ليا من مملكة سافاي التي تحاذي حدود وولتاك من جهة الجنوب..

انشغل الأمير جومين بتلقي التهاني بابتسامةٍ رسمية حيث وقف قرب العرش الذي يجلس عليه ستوفار ملك البلاد، بينما تتابع النبلاء للمرور على الملك وتحيته بتقبيل ظاهر يده وترديد سعادتهم بهذا الزواج الذي سيوثق علاقة مملكتهم بسافاي التي لا يستهان بقوتها ومكانتها.. ووسط القاعة، توزع بقية الأمراء الخمس والأميرات الثلاث بين الحضور لتلقي التهاني نيابةً عن الأمير ولتسرية الحضور، وكسب تحالفاتٍ وأواصر جديدة مع الثقل الأكبر في المملكة والممالك المجاورة..

لم تحضر أميرة سافاي هذا الاحتفال، فهو لإعلان الخطبة فقط.. وسيتم الزفاف خلال الأشهر القادمة في تاهير بعد أن يصل وفد الأميرة مع أتباعها وحراسها ووصيفاتها..

وقف جومين قرب العرش ثاتباً دون تعب ودون أن تزول ابتسامته المرسومة والتي لا تنعكس في عينيه.. كان يراقب الحضور.. يراقب النظرات الحذرة الموجهة نحوه من البعض، ويراقب الاستياء الذي يكسو بعض الأمراء الذين يشاركونه دماءه.. ويراقب الغفلة في أعين الآخرين.. ففي الواقع، كان هذا الاحتفال جزءاً من الصراع على عرش وولتاك.. ورغم أنه تقدم عن الآخرين بخطوةٍ بإعلان زواجه من أميرة مملكةٍ قوية، لكنها مجرد خطوة قد يتم تجاوزها بأسرع من البرق.. ففي هذه المملكة، لم تكن وراثة العرش مقيدةً بالابن الأول لملك البلاد.. بل للأقدر والأكثر استحقاقاً للجلوس عليه.. وفي الواقع، لمن يتمكن من إثبات أحقيته بالعرش للملك، حتى لو خالفت تلك الفكرة حقيقته تماماً..

لم يكن جومين يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، بوجهٍ عريض الفكين، وعينين حادتين عسليتين، أنفه طويلٌ ودقيق، ينتهي بفمٍ رفيع.. شعره بني قصير مصففٍ بإحكام، طويل القامة مقارنةً بإخوته، وله وسامةٌ وحضورٌ مميز مردّها الثقة البادية في ملامحه وتصرفاته..

قبائل الوهم ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن