١٧. وهمٌ أم نبوءة

11 2 0
                                    


ما كان التسلل لإحدى سفن الأسطول سهلاً بالنسبة لجومين وجنوده.. رغم استقرار الأمور في تاهير خلال الأسابيع الماضية للعدو، فإن السفن بقيت في مكانها على مسافةٍ حذرةٍ من الميناء والجنود لا يفارقونها ليل نهار.. قادة تلك السفن أيضاً لا يكادون يغادرونها، وقائد الأسطول يغادر لأوقاتٍ محدودة عند الحاجة، ويعود إلى سفينته بعدها ليقضي ليلته.. كانت تلك السفينة هي الأكبر حجماً والأكثر جنوداً وعتاداً، تقف وسط جمعٍ من السفن الأصغر حجماً.. رغم أن عدد الجنود الآن أقل مما كان فيها عند وصولها، بسبب تفرقهم في تاهير وخارجها، لكن يبقى عدداً لا يستهان به ولا يمكن تجاوزه دون تخطيط..

انطلقت عشر زوارق متوسطة الحجم من قرب القرية الزراعية شرق تاهير، كل زورقٍ منها يحمل عشرة أشخاص، أغلبهم من الجنود وعدد الراتميّين بينهم لا يتجاوز عشرة أشخاص.. ويتوسطهم زورقٌ يحمل جومين وآليد وبعض الراتميّين.. اقتربت الزوارق من السفن التي تفرقت قرب ضفاف البحيرة جنوب تاهير، مستغلةً الظلام وببطءٍ لا يثير انتباه العدو.. كانت السفينة الأكبر والرئيسية في هذا الأسطول تقع وسط جمعٍ من السفن، لكن المسافة بينها وبين السفن الأخرى يكفي لتسلل تلك القوارب تباعاً بحرصٍ شديد.. كما أن هناك عدة جسورٍ مدّت بين ثلاثة سفنٍ منها والسفينة الكبرى، مما يعني أن المدد قد يأتي من تلك السفن في أي لحظة..

فور اقتراب الزوارق من السفينة الكبرى على مسافةٍ لا تكشفهم، رفع آليد يده ليتوقف الجنود عن تقدمهم بها، وعيناه تتفحصان ما بدا له من سطح السفينة.. سأله جومين بصوتٍ خافت "أيمكنك رؤيتهم؟.."

أجاب آليد "بالطبع.. يمكننا رؤية أي شخصٍ على سطح السفينة بالنظر لهالته الواضحة.. فنحن نرى تلك الهالات باستمرار، وهذا يفضح مواقع الجنود على السطح بسهولة رغم الظلام.."

راقبه جومين باهتمام ملاحظاً الوهج الأصفر الذي بدا من عينيه، ومن أعين الراتميّين جميعاً، ثم قال آليد للآخرين "سيتقدم الراتميون أولاً.. بعد أن نتخلص من المتواجدين على السطح، وعند الإشارة، سيتقدم بقية الجنود بأسرع ما يمكن دون إصدار صوت.."

بإشارةٍ من يده، انزلق الراتميّون في المياه دون صوتٍ واضح، وسبحوا بسرعةٍ مقاربة نحو جانب السفينة، بينما بقي آليد قرب جومين لحمايته وهو لا يكف عن تفحص السفن القريبة، وبالقدر ذاته تفحص الزوارق المحيطة بهما خشية خيانة أحدهم للأمير.. فور وصول الرجال إلى جانب السفينة، بدؤوا تسلقها بمهارةٍ كبيرة محاذرين إصدار صوتٍ يلفت الأنظار، وكلما اقترب جنديٌ من ذلك الجانب كمن الراتميّ بحذر مستغلاً ملابسه السوداء التي تخفيه في هذا الظلام حتى يبتعد ذلك الجندي..

في البدء، انتظر المتسللون بهدوء بينما برز شخصٌ منهم في أبعد جانب، وباستخدام حجرٍ صغير ضرب مصباحاً من المصابيح المعلقة في صارية السفينة فتهشم وانسكب الزيت مشتعلاٍ على السطح الخشبي.. انتبه أقرب الجنود له، فصاح برفاقه وهرع محاولاً إطفاء النار قبل أن تشتدّ في الصارية والأرضية الخشبية.. فور أن انشغل من كان قريباً منهم بما يجري، قفز الراتميّون بخفةٍ على السطح بتناسقٍ كبير وأفقدوا الجنود القريبين وعيهم بضربةٍ قوية على الرؤوس.. كل جنديٍّ يسقط يبادر الراتميّ لإمساكه قبل أن يصدر ضجيجاً، ثم يسحبه ليخفي جسده في أقرب موضعٍ لئلا يلفت الأنظار..

قبائل الوهم ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن