١٢. وثاق

10 2 0
                                    


قضى جومين اليومين التاليين غائب الوعي، يرجف بسبب الحمى الشديدة التي أصابته، والنزف الذي نزفه من عينه ومن إصابةٍ أخرى في رأسه، دون أن يجد يار معالجاً يتولى علاجه بصورةٍ صحيحة.. كان قد اصطحب الأمير خارج تاهير عندما امتلأت الطرقات بأعدادٍ غفيرةٍ من جنود العدو، وأخفاه في كوخٍ متواضع وسط مزرعةٍ مهجورة..

ازداد قلق يار مع كل وقتٍ يمضي والأمير يزداد سوءاً، ورغم العناية الضعيفة التي حصل عليها لعلاج كسر ذراعه وجرحه، لكن همّه الأكبر كان على الأمير وما قد يجري له.. وفي مخبئهم الذي علاه الغبار والرائحة الخانقة، قال يار لأحد رفاقه "لا يجب أن نتركه هكذا طويلاً.. علينا أن نجد معالجاً ثقة لعلاجه.."

قال الآخر قالباً كفيه "مع الفوضى في تاهير، العثور على معالجٍ يقبل القدوم معنا سيكون معجزة.."

اعترض يار بضيق "وهل نصمت على ما نحن فيه إذاً؟.. البلاد بحاجةٍ للأمير، فهو قد يكون الأصلح الآن لقيادة من تبقى من الجنود وردع المعتدين قبل أن يمسكوا بخناق البلاد كاملة.."

قال الرجل بتردد "أيجب حقاً أن نهتم بما يجري؟.."

نظر له يار بحدةٍ مصدومة، فقال الرجل مفسراً "فكر بالأمر.. لو سقط الملك، ما الذي يبقينا هنا؟.. لمَ نقدم أرواح خيرة شبابنا وفتياتنا للدفاع عن المملكة وهي على وشك السقوط؟.."

قال يار بحدة "ما الذي تقوله؟.. هذا وطننا.."

غمغم الرجل بخفوت "أهو حقاً؟.."

أمسك يار مجمع ثيابه وسأله بشدة عابساً "ما الذي تقوله؟.."

برّر الرجل قائلاً "لقد ولدنا وعشنا هنا، لكننا أجبرنا على ذلك.. ألم تفكر كيف ستكون حياتنا لو بقينا في وطن أجدادنا في جبال سافاي؟.. بعيداً عن تحكم العائلة المالكة بنا، بعيداً عن هذه الحياة التي لا نعيشها كما نشاء.."

هزه يار صائحاً "هذا وطننا الذي لم نعرف غيره.. ليس من المروءة أن نتظاهر أنه ليس كذلك عند أول أزمةٍ تعصف به.. كيف تتخلى عن مبادئك وولائك لأرضك بتلك السهولة؟.."

سمع من يقول "ولمَ تستنكر عليه ذلك؟.."

التفت الإثنان ليجدا جومين يعتدل جالساً بوجهٍ احتقن للحمى التي عصفت به.. تراجع الرجل الآخر خافضاً رأسه محرجاً مما سمعه الأمير، بينما قال جومين بمرارة "كيف تلومه وأمير هذه البلاد قد هرب بدوره ليحفظ عنقه؟.."

قال يار "مولاي.. وجودك هامٌ للمملكة.. لو جرى شيءٌ للملك، فأنت قد تكون الأصلح لقيادة المملكة حتى تتخلص من أعدائها.."

قال جومين هازئاً "أتظن الشعب سيقبل ملكاً أعوراً هيئته تجلب الشؤم؟.."

احتج يار قائلاً "وهل الهيئة هي الأهم في الملك؟.. لم أسمع أن أحد الأمراء تطوع للدفاع عن تاهير في هذه الأوقات، ولا ندري أين اختبؤوا تاركين الشعب لمصيرهم، ألا يدل هذا أنك الأصلح لتولي حكم هذه البلاد؟.."

قبائل الوهم ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن