١٣. اعتياد

12 2 0
                                    


فتح هاكاد عينيه على اتساعهما وهو يشعر بضربات قلبه القوية تؤلمه دون أن تهدأ.. ما الذي جرى؟.. لم تتضح الموجودات أمامه والغشاوة تغطي عينيه بتأثير الجهد الذي بذله ولم يخفت حتى الآن، ولم يجد في جسده طاقةً ليعتدل جالساً.. شعر بحركةٍ خافتة قربه، ولما نظر جانباً تمكن بالكاد من رؤية نوّوا تجلس قربه وهي تسأله بهمس "أأنت بخير الآن؟.."

وضع ذراعه على عينيه حاجباً الضوء المؤلم عنهما، رغم خفوته والشمس تكاد تختفي خلف الجبل القريب، وغمغم بصوتٍ خافت "لن أكون أسوأ مما كنت.."

سمعها تقول بهمسٍ مرتجف "لمَ فعلت ذلك؟.. ألم أطلب منك ألا تعرض نفسك للخطر لأجلي؟.."

نظر لها على الفور، ورغم الغشاوة التي لازالت تحدّ بصره، لكنه لمح الدموع التي احتشدت في عينيها وتعلقت بأهدابها.. فسألها بقلق "لمَ تبكين؟.."

أدارت وجهها بعيداً وتمتمت "وهل رأيت أمراً أسرّ به لئلا أفعل؟.."

قال بشيءٍ من الإلحاح "ما يبكيكِ؟.. هل أصبتِ بإصابةٍ ما؟.."

أجابته وهي تدفن وجهها بين ذراعيها "لا أعلم.. حقاً لا أعلم السبب.. ما جرى لي في الجبل قد هزّني فوق ما أتصور.. وعدت منه لأجدك بهذا الحال، وكل ذلك بسببي.. فكيف لي ألا أحزن لما أراه؟.."

استرخى بعد قولها وهو يعلق "لكني بخير.. والأهم من ذلك أنكِ عدتِ دون أن يصيبك سوء.."

قالت بحزنٍ بالغ "أنت بخير؟.. لا أظنك ضعيفاً تفقد الوعي لأقل مجهودٍ تبذله.. وضربات قلبك المختلّة بعد ذلك أفزعتني فلم أشهد مثيلاً لها قط.. فكيف لا أندم أنني أوصلتك لتلك الحالة؟.."

قال بتأكيد "كان ذلك باختياري.. ما كنتُ لأصمت وأنا لا أدري ما حلّ بك.. أنا من أتى بكِ لهذا المكان، ولأجلي خضتِ هذه التجربة.. أتطلبين مني الصمت عالماً أنكِ قد لا تعودي من تلك الأرض قط؟.."

ثم أضاف بإصرار قبل أن تنطق بردٍ على ما قاله "وأنا بالفعل أهتم.. لا يمكنك اتهامي الآن أنني لا أعبأ لأمرك حقاً.."

نظرت بعيداً بصمت.. كيف لها أن تقبل ذلك بلا شعورٍ بالذنب يعتريها لما كاد يجري له، ولرودا بالقدر ذاته في مواجهة ذلك الكائن؟..

سألها هاكاد محاولاً كسر صمتها ووجومها "هل استعدتِ قدراتك؟.."

ربما كان ذلك أهم لهاكاد من أي شيءٍ آخر، ولا تلومه.. غمغمت خافضةً بصرها بأسى "ربما.. أو ربما لم أفعل.. لا أعلم حقيقةً إن كنتُ قد استعدت تلك القدرات التي أبغضها، لكني اضطررت لتجربتها على أشخاصٍ وهميين.."

قال هاكاد برفق "أمازلتِ تكرهين تلك الفكرة؟.. فكري بكل من ستحررينه بقدراتك هذه.."

ستحررهم.. لكنها ستسلب غيرهم القدرة التي هي حقٌ له.. لا تعرف وسيلةً غيرها لتحقيق ذلك، ولا لكفّ أذاهم عن الآخرين.. زفرت بحزنٍ ظاهر دون أن تعلق على ما قاله.. ولم يرغب هاكاد في تحري هذه النقطة والحديث عنها بما قد يسبب إزعاجاً أكبر لها.. تساءل وهو يعتدل بألم "أين رودا؟.."

قبائل الوهم ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن