٦. قطيع

12 2 0
                                    


وقف ريسين يتأمل الأرض الصخرية التي امتدت على مد البصر، يربت على عنق حصانه اللاهث بعد ركضٍ تطاول حتى وصل هدفه أخيراً، أو هذا ما بدا له..

دامت رحلته أكثر من أسبوعين متواصلين يتبع الغراب الذي يحلق في السماء دون كلل، حتى تقترب الشمس من مغربها عندها يتباطأ في سرعته حتى يهوي أرضاً فجأة.. ويبقى جسداً هامداً حتى تطلع شمس اليوم التالي، عندها يستعيد حيويته ويحلق من جديد دون إنذار.. لا يدري ريسين سبب توقفه في الليل، أهو بسبب أن التعويذة تعمل في النهار فقط، أم أن صاحبها قد جعل الغراب يتوقف ليلاً لصعوبة ملاحقته بسبب سواد لونه.. لكنه شاكرٌ ذلك قطعاً.. فلا يظن أن حصانه سيتحمل ركضاً متواصلاً بتلك الصورة..

لكن في هذا اليوم وبعد وصول الغراب لبقعةٍ معينة سقط أرضاً هامداً دون حراك.. لم يفهم سبب سقوطه في هذه البقعة بالذات، لكنه خمّن أنها منطقة اللقاء..

كان المكان منقطعاً، ورغم ترحاله في أرض الصرد دون ترددٍ أو خوف لكنه بقي على حذره مما قد يواجهه.. والآن، ها هو يقف يتأمل المكان وعربته خلفه بالصناديق المقفولة، والتي لا تحوي شيئاً في قلبها.. لم يكن قادماً لإتمام المقايضة فعلاً، فلا حاجة به لإحضار الأموال المطلوبة وإن تظاهر بذلك حتى يصل للأميرة ويتمكن من الخلاص منها للمرة الأخيرة..

ظل يتلفت حوله بانتظار أن يأتي صاحب الغراب.. لم يرَ أحداً في الأرض حوله على امتداد البصر، ولا يدري كم سيطول انتظاره، لكنه لم يتذمر وهو صامتٌ يراقب الأرض الشاسعة بتدقيق، حتى قطع الصمت حفيفٌ خلفه وصوتاً يقول "ما الذي أحضرته؟.."

نظر خلفاً، فلمح جسداً غريباً يحتل عربته.. تجمد ريسين وهو يرمق الرأس الذي بدا بلا جسد، بأذنين متطاولتين، وهو يسحب الغطاء القماشي الذي يغطي الصناديق بأسنانه.. تجاوز ريسين صدمته بسرعة وسحب سيفه عائداً للعربة وصاح بالرأس "ما الذي تفعله يا هذا؟.. ابتعد خيراً لك.."

لم يتحرك الرأس من مكانه وهو يجيبه "أتيتَ لملاقاتي، وهذه الصناديق لي.. أليس كذلك؟.. أنا صاحب الغراب.."

قطب ريسين شيئاً ما دون أن يخفض سيفه، وقال له "من يؤكد لي ذلك؟.. ثم إنني آتٍ لإتمام المقايضة، فأين الفتاة التي تحتفظ بها عندك؟.."

قال الرأس "سأعيدها بعد أن أستلم مكافأتي.. افتح الصناديق وأرني محتواها.."

قال ريسين بإصرار "لن يحدث ذلك قبل أن أرى الفتاة وأتأكد أنها من أبحث عنها وأنها عندك فعلاً.."

عبس الرأس قائلاً "أتجرؤ على تكذيبي؟.."

صمت ريسين ملاحظاً غضب العينين الجاحظتين، وتذكر تحذير شامين له سابقاً.. هذا ساحر، ورغم أنه بلا جسد فعليه أن يحذر منه ومن إغضابه.. عندها قال بلهجةٍ أخف عدائيةً "لا أكذبك طبعاً.. لكني أريد التأكد من سلامة الفتاة.. أين هي؟.. لن أبخسك حقك وسأمنحك هذه العربة بما فيها، شرط أن أرى الفتاة أولاً.."

قبائل الوهم ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن