١٢. فصل إضافي ٢

37 3 0
                                    

الملكة جياندا.. ما بعد الخاتمة....


بدأت طلائع النهار تلوح في الأفق الشرقي بتلوّن الأفق بألوانٍ كسرت حدة الظلام الذي كسا الليلة التي سبقته.. ورغم برودة الجو القارسة، والشتاء قد غمر هذه الأرض بطبقاتٍ كثيفة من الثلج، فإن جياندا لم تعبأ لتلك البرودة وهي تقف في شرفة غرفتها ترمق الأفق..

مضت عدة أشهر منذ استتبّ لها الأمر في لازيلار.. عاشت صراعاً طويلاً من عدة جهات.. في البدء صارعت نفسها لتتجاوز ضعفها.. ثم صارعت إرادة ذلك الشخص الذي حاول السيطرة عليها، وهي تتمنى في هذه اللحظة لو تنسى حروف اسمه.. صارعت شتاتها وضياعها في مناطق تتمنى لو تنسى أنها وجدت على هذه الأرض.. انتقل الصراع بعدها مع كافة الأطراف ذات الثقل في لازيلار، عندما قررت الاستيلاء على ما لا يراه الآخرون حقاً لها.. جلست على العرش بشق الأنفس، ولا تزال تشعر أن جلوسها مرتهنٌ بأول غلطةٍ ترتكبها..

قد يسامح العامة والخاصة الملك لو ارتكب أي خطأ، لكنهم قطعاً لن يسامحوا الملكة لو ارتكبت ذات الخطأ أو حتى ما هو أقل منه..

لذا كل يومٍ يمر تشعر جياندا أنها تحافظ على أعصابها بالكاد.. في أوقاتٍ كثيرة شعرت أنها أخطأت بهذا الخيار.. ماذا لو أنها تزوجت شخصاً كفؤاً ليتولى هذا الدور وارتضت بالبقاء كملكةٍ في حياةٍ هامشية، جلّ همها صباح كل يومٍ الاختيار بين الدعوات التي تصلها لحضور احتفالٍ أو عشاءٍ أو حتى إفطارٍ مع سيدات العوائل النبيلة؟.. الهاجس الوحيد الذي قد تحمله أن تنجب وريثاً للعرش، حتى لا يبحث الملك عن أخرى تحقق له ذلك.. أما كانت تلك الحياة الهادئة خياراً رائعاً ومريحاً بالنسبة لها؟..

قد يكون ذلك اختيارها فعلاً، أو اختيار جياندا قبل كل ما مر بها في الأوقات الماضية.. لكن الآن.. جياندا الحالية ترفض ذلك بعنادٍ شديد.. بعد المعاملة التي لقيتها، وبعد أن رآها الجميع ألعوبةً في يد رجلٍ لم يعبأ بما قد تريده أو ترفضه.. بعد أن أوصلها لحافة الجنون حتى لقبت صراحةً بالأميرة المجنونة.. بعد أن تناساها الجميع وفضّلوا شخصاً مريباً ليجلس على العرش دون أن يهتم بأمرها إنسان.. بعد كل هذا فإنها ترفض التسليم بعدم أحقيتها بهذا العرش.. ستحصل على كل ما كان ممنوعاً عنها فقط لأنها امرأة.. وستعيش حياتها كما تشاء رغم كل الصعوبات التي تحفّ بها الآن ومستقبلاً..

ليست حياةً سعيدةً وهانئة.. لكنها الحياة التي اختارتها.. ولا تنوي أن تسمح للندم بأن يتسلل لنفسها في ما يأتي من أيام..

تنهدت لتتكاثف أنفاسها فور ملامستها الهواء البارد، بينما ضمّت ذراعيها حول جسدها بحثاً عن بعض الدفء.. كانت في أوقات خلوتها تفضّل إبقاء ذراعيها مكشوفتان، حيث آثار الاحتراق واضحةٌ فيهما، وكأنها تذكر نفسها بكل ما مرت به.. لا يمكنها أن تصدق أنها من أحرق ذراعيها بنفسها.. ولا يمكنها أن تصدق كيف لتلك الهلاوس والأوهام أن تجعلها تتصرف تصرفاتٍ بعيدةٍ عن أي تعقل..

قبائل الوهم ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن