٧. نقش

16 2 0
                                    


رغم مضيّ عدة ساعاتٍ على مغيب الشمس، لكن القرية المحدودة على الجزيرة لم تعرف الهدوء على غير العادة.. تردد صياح البعض بين منازلها، وتكدس بعضهم قرب الميناء تحسباً لهرب المرأة التي غضب عليها المبجّل.. لم يسأل أحدهم الآخرين ما سبب غضبه، ولمَ كان جزاؤها القتل دون محاكمة، بل انشغل الجميع بتنفيذ أمر المبجّل بلا نقاش..

في جانبٍ من الجوانب خلف القرية، انشغل هاكاد بدفع بعض القرويين من الاقتراب منه ومن نوّوا، عاجزاً عن التراجع بالسرعة المطلوبة وهو يلمح شخصاً يندفع نحوها بغفلةٍ منه.. صاح به وهو يضرب بسيفه أقرب الأشخاص منه ويستدير محاولاً الوصول إليه قبل أن يحقق هدفه، بينما وقفت نوّوا زائغة العينين لاهثةً دون أن تقدر على الحراك.. بدت مستسلمةً في وقوفها وارتجافة جسدها واضحةً للدماء التي نزفتها، عندما وجدت ذلك الرجل ينحني ممسكاً ساقيها ويرفعها على كتفه بحركةٍ سريعة قبل أن يواصل ركضه.. صاحت وهي تحاول دفعه "أنزلني.."

كانت موقنةً أنه ينوي إعادتها للمبجّل، وهذا ما دار بذهن هاكاد الذي ركل أقرب الأشخاص إليه وضرب آخر بسيفه قبل أن ينطلق خلفها.. قاومت نوّوا بشدة وهي تلمح رودا يلحقهما منتوياً تعطيل الرجل، حينما سمعت الرجل يقول "لا تجذبي المزيد منهم إلينا بصوتك.. سأخرجك من هنا فاصبري.."

انتبهت في تلك اللحظة لمظهره المغاير لكل من رأته في هذه الجزيرة، بينما توقف الرجل لحظةً ينظر خلفه عندها هجم عليه رودا بسرعةٍ خاطفة لولا أن صاحت به نوّوا "مهلاً.. إنه ليس منهم.."

ارتفع رودا قبل أن يصيب الرجل بمخالبه، وبنظرةٍ متفحصة أدرك بالفعل أنه ليس من القرويين، فملابسه مختلفة بشكلٍ بيّن، كما أنه لا يشبه رجال المبجّل بمعاطفهم السابغة، ولثامه يزيد هويته غموضاً.. لحقهما هاكاد وجمعٌ من القرويين خلفه، فقال له الرجل "اتبعني ولا تتأخر.."

صاح به هاكاد "من أنت؟.."

استدار الرجل مواصلاً ركضه قائلاً "ليس الوقت وقت أسئلة.."

ركضا محاذيين المنازل من الخلف والجرف الصخري يحد طريقهم من الجانب الآخر.. ورودا يتبعهم من ارتفاعٍ يتيح له رؤية أي هجومٍ قد يستهدفهم ويحذرهم قبل ذلك بوقتٍ كافٍ.. عند اقترابهم من الساحة حيث المنصة، هجم عليهم عددٌ من رجال المبجّل، والذين أبدوا مهارةً وسرعةً أكبر من القرويين الذين اكتفوا بهجومٍ أهوج بلا تعقل..

توقف الرجل لبرهة، وهاكاد يصيح به "علينا أن نتخذ طريقاً آخر.."

لم يجبه الرجل أو يتحرك من مكانه، عندما رأى هاكاد بضع سهامٍ انطلقت من مصدرٍ مجهول نحو أولئك الرجال فأردت من أصابته ودفعت البقية للتراجع بما يكفي ليسلك الرجل طريقه متجاوزاً الساحة والمنزل خلفها.. تدفقت السهام بغزارة تدل أن المطلق لم يكن مجرد شخصٍ واحد، بينما احتفظ هاكاد بأسئلته المتكاثرة وهو يتبع الرجل ليرى ما سيفعله.. نوّوا قد أصبحت غير قادرةٍ على رؤية ما أمامها بوضوح، واكتفت بإمساك كتف الرجل بيديها لتخفف وقع ركضه غير المتأني على جرحها..

قبائل الوهم ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن