٨. صرخة

16 2 0
                                    


مالت الشمس نحو الأفق وظلال منازل تاهير تتطاول حتى تغطي الطرقات بينها إلا من نورٍ هادئٍ ترسله الشمس قبل مغيبها.. بدأت المدينة تميل للسكون بعد يومٍ حافل، وخفتت الحركة في الطرقات بوتيرةٍ ثابتة.. وفي أحياء النبلاء، كان الهدوء أكثر وضوحاً من بقية الأحياء الأخرى.. وقف هاكاد أمام قصرٍ أصغر حجماً من قصر الأمير، ويقع في الجانب الغربي من تاهير.. لم يكن بحاجةٍ لمن يخبره بهوية ساكن القصر، فهو يعرفه تمام المعرفة، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يقف فيها أمام بوابته.. ولم يكن له ألا يلاحظ الأثر الأسود الذي أحاط برؤوس كل الحرس من حوله، وإن تباينت قوته من شخصٍ لآخر، بشكلٍ لم يره أثناء قدومه لهذا المكان في المرة الأولى..

كان صدره محتشداً بانفعالاتٍ شتى، وقد زاده هذا المنظر سوءاً بحيث شعر برغبةٍ في اقتحام المكان والبحث عن المتسبب بهذا الأمر.. أو المتسببة بذلك..

تقدم من البوابة قائلاً للحرس الذين سدّوا الطريق أمامه "أريد مقابلة الدوق ديجات.."

قال أحد الحرس بتقطيبة "الدوق لا يقابل كل من طلب مقابلته دون هويةٍ معروفة.."

فقال هاكاد عابساً "أخبره أن اسمي هاكاد.. سيعرفني حتماً ولن يمانع مقابلتي.."

انطلق أحد الحرس لإبلاغ الدوق بذلك، بينما قال الآخر بغلظة "ابتعد يا هذا خيراً لك.. الدوق لا يقابل أمثالك.."

احتج هاكاد على هذا الرفض، عندما وجد الحرس يزيحونه ويسارعون لفتح البوابة للعربة القادمة.. لم يتحرك هاكاد جانباً، بل بادر للوقوف أمامها وإيقاف الحصان الذي يجرها والذي صهل عندما جذب الحوذي لجامه.. صاح به الحوذي "ابتعد عن الطريق يا هذا.."

قال هاكاد بعناد "لن أبتعد قبل أن يخبر أحدكم الدوق ديجات بقدومي.."

برز شخصٌ من العربة لم يتعرف عليه هاكاد، خاصةً مع الأثر الأسود الذي يحيط رأسه كبقية الحرس، وإن دل لباسه على مكانته، وقال باستياء "ما الذي تفعله يا هذا؟.. الدوق ديجات لن يقابل شخصاً من العامة دون سببٍ مقنع، مهما كان لحوحاً في طلبه.."

قال هاكاد بإصرار "لن تعرف إن كان سببي مقنعاً أم لا دون أن تعرفه.. وأنا لن أتحدث إلا أمام الدوق.."

أمسك أحد الحرس كتفه يجره خلفاً، بينما قال آخر "اعذرني يا سيدي لتعطيلك.. سنبعده ونتأكد أنه لن يسبب الإزعاج لأحد.."

لمح راكب العربة أحد الحرس يقترب راكضاً من القصر، وبادر ليقول لرفاقه "اتركوه.. الدوق سيستقبله في القصر.."

نظر الثاني لرفيقه باستنكارٍ قائلاً "أأنت واثق؟.. ما كان عليك إبلاغه بأمر هذا الوضيع، فهو لا يستحق أن يعطل الدوق أعماله لأجله.."

دفعه هاكاد من أمامه قائلاً "أستحق أو لا أستحق، هذا أمرٌ لا يرجع لك.."

تقدم نحو القصر، فيما سبقته العربة في ذلك الطريق الحجري الذي يشق الحديقة الواسعة.. وعندما وصل القصر، وجد ذات الشخص بانتظاره، وقد تقدمه قائلاً "الدوق لديه من الأعمال الهامة ما يمنعه من إطالة الحديث.. فاختصر في حديثك عند مقابلته ولا تعطله.."

قبائل الوهم ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن