١٠. غرباء

17 2 0
                                    


انحنت نوّوا على عجوزٍ ضئيلة الحجم تتفحص ذراعها وتسمع أنينها الضعيف.. كانتا وسط سفينةٍ خشبيةٍ ضخمة تعجّ بالمسافرين انطلقت بهم من ميناء تيقادا.. أمضوا أكثر من أسبوعين منذ رحيلهم عن تاهير في رحلةٍ نحو الميناء الذي يقع في الجنوب الذي يتوسط قارتي آرات وتيبدا.. رحلتهم مرت سهلةً ميسرة بالنقود التي منحهم إياها الأمير جومين، بالإضافة لمرورهم بممالك وأقاليم يغلبها الأمن والهدوء مقارنةً بالأراضي في قارة كاما..

انشغلت نوّوا في الأيام التي مضت على رحلتهم وسط البحر الجنوبي بعلاج كل من يمكنها علاجه، خاصةً أن عقد المعالجين وصندوق الأعشاب الجديد الذي استبدلت به القديم يلفت الأنظار إليها ويجذب كل من اشتكى ألماً أو مرضاً.. تفحصت نوّوا ذراع العجوز باهتمامٍ بالغ حتى سمعت صوت هاكاد المنزعج يسألها مقترباً "ما الذي تفعلينه؟.."

لم تجبه حتى وجدته يحمل صندوقها، ويجذبها من يدها بعيداً عن تلك العجوز.. قالت نوّوا محتجة "عليّ علاج تلك المسكينة.. إنها تشتكي ألماً لا يهدأ منذ وقتٍ طويل.."

وقف بها هاكاد جانباً وقال مؤنباً "كل ما تشتكي منه العجوز هو طمعها وهي تحدق بتلك الصرة البارزة أسفل المعطف الذي ترتدينه.."

لمست نوّوا صرة نقودها بقلق، بينما قال هاكاد عاقداً حاجبيه "عليك أن تكوني حذرة.. سمعة المعالجين لا تدور حول مهاراتهم في خدمة الآخرين فقط، بل في النقود الوفيرة التي يكسبها البعض منهم نظير أعمالهم.. لذا لن يكون كل من يقترب منك طامعاً في خبراتك، بل في نقودك.."

غمغمت باعتراض "لا يمكنك أن تثق بذلك.."

فقال بإصرار "ولا يمكنك الوثوق بنوايا الآخرين.. أنت لستِ حذرةً كفاية، بل إنك لا تمانعين قضاء أغلب لياليك تباشرين المرضى وتطمئنين عليهم.. لا يجب أن تسمحي لهم باستغلالك بتلك الصورة.."

قالت محتجة "ليس استغلالاً.. هذا عملي، وهذا ما يجب عليّ فعله.."

قال بضيق "وهم يستغلون ذلك أسوأ استغلال.. نحن محتجزون معهم في هذا المكان الضيق، لذا لا مهرب لنا منهم.. أنتِ حتى لم تتقاضيْ عملةً واحدةً من أي فردٍ منهم طوال هذه الرحلة.."

حملت صندوقها واتجهت لجماعةٍ من المسافرين قائلةً ببساطة "وما السيئ في ذلك؟.."

سمع صوت رودا يهتف في تلك اللحظة "أرى الأرض.."

دمدم هاكاد "أخيراً!.."

لمح نوّوا تعود لمعالجة من تقدر عليه من المسافرين، فاضطر للصمت وهو يتجه لمقدمة السفينة قائلاً لرودا "من الغريب أنها لا تزال حرةً طليقةً حتى الآن.. كيف تمكنت نوّوا من المحافظة على نفسها طوال السنوات الماضية؟.."

أجاب رودا الذي هبط على رأس الصاري الذي يتوسط السفينة "لم يحدث ذلك لبراعتها في حماية نفسها قطعاً.. لك أن تتخيّل ما عانيته معها طوال ذلك الوقت.."

قبائل الوهم ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن