الفصل الثاني عشر ♡

3.1K 122 52
                                    

الفصل الثاني عشر ♡
-"مُقيَّد بسلاسِل عِشقك".

انعزلت "حورية" في غرفتها منذ مجيئها من المدرسة، تفكر في حديث "عمر" وطريقة رؤيته لها.. تقف أمام مرآتها تتأمل نفسها بنظرات مكسورة.. تتساءل:
-«هو أنا فعلًا وحشة زي ما هو قال كده؟».
أول ما خطر على بالها بعد سؤالها كان مواقفها مع "شجن"، تفاجأت بالبداية.. ولكنها أدركت لِمَ هي من ظهرت أمامها الآن!
فرغم حبها لها وخوفها على مصلحتها ألا أنها تقسو عليها دومًا بحديثها اللاذع الخالِ من الشفقة!
لا تترك فرصة دون أن تلقِ على مسامعها أجحف الكلمات وأكثرهم ألمًا.. صحيح كل حديثها من دافع اهتمامها لأمرها.. ولكن لمَ تظهر دومًا حبها بتلك الطريقة الغبية؟ لمَ لا توصله بلطفٍ كباقِ البشر؟ أهناك عطل في مشاعرها يمنعها من التحدُّث بحنوٍ وحبٍ؟
أسدلت كتفاها بأسى، وجلست على الأرضية، تضم ركبتها إلى صدرها والأخرى تفردها أمامها، فانسدل شعرها العسلي المتموج على جانبها في مظهرٍ هادئ حزين.. فظهرت وكأنها لوحة جميلة مرسومة بفرشاة فنان احترافي يغزوه الاكتئاب، فأخرج ما يعتمر روحه من حزنٍ على ورقة بيضاء انتظرته ليملأها بشجنه..

شعرت بالإختناق فارتدت حجابها ودلفت للشرفة لتدخل لرئتيها بعض الهواء لعلّه يضفي لها شعورًا بالراحة.. جلست على المقعد وضمت ركبتيها لصدرها واستندت عليهما بجانب رأسها تراقب النجوم بصمتٍ وشرود..

بالمقابل.. صعد "عمر" مع "رمضان" للشقة المنشودة، فوقف خلفه ينتظره حتى يفتحها، وبالوقت ذاته يرهف السمع لمنزلها لعلّه يسمع صوتها.. ولكن بائت محاولاته بالفشل عندما لم يأتيه سوى صوت لعب الأطفال، فهمس تحت انفاسه بإنزعاج:
-«إن شاء ﷲ يكون الباب عازل للصوت بدل ما أعزل أنا من تاني يوم!».
فتح "رمضان" الباب ودعى "عمر" للدخول، فدلفا سويًّا ليقول الأول بصوته العالي الطبيعي:
-«السلام عليكم ورحمة ﷲ وبركاته».
أجفل "عمر" لثوانٍ من صوته الجهوري دون داعٍ، قبل أن يفعل المثل ويكرر ما قاله بنبرة أخفض بالطبع..
سار "عمر" بداخل المنزل يتفحصه بأعيُّن مقيمة.. ليجده يفي بالغرض.. فهو بالتأكيد ليس بنفس مستوى ذوقه.. ولكنه ليس سيئًا أيضًا نظرًا لموقعه.. يكفِ أنها تقبع بالمنزل المقابل له مما سيجعله يتسلى بغضبها اللذيذ الفترة القادمة..
فاق من مخططاته الماكرة التافهة على صوت والدها يسأله في فضولٍ:
-«عدم المؤاخذة يا أستاذ عمر.. بس إيه اللي رماك على منطقتنا؟».
اتسعت أعيُّن "عمر" قليلًا من سؤاله الذي لم يفكر في إجابته بسبب تسرعه الغبي الذي جعله يقدم على فعلته بتهور دون أن يحسب حسابًا لتلك التفاصيل الرئيسية.. وخاصةً ذلك السؤال البديهي، فحك شعره يبعثره بحرجٍ، مطرقًا برأسه أرضًا ليخفي عنه عيناه المرتبكتان، يفكر في كذبة يتلوها عليه.. ليرفع رأسه سريعًا ما أن واتته الفكرة وأسرع يشرح له:
-«مش هخبي عليك يا عم رمضان، حضرتك في مقام والدي يعني.. بس أنا الفترة دي بحاول أعتمد عن نفسي بعيدًا عن أهلي وكده».
رمقه "رمضان" بإعجاب وعلَّق قائلًا:
-«جدع يابني.. أنا بحب الشاب اللي يتحمل المسؤولية ويعتمد على نفسه».
بلع "عمر" لعابه بحرجٍ، وقابل حديثه بابتسامة بلهاء كالأخرق، ولم يتجرأ أن يرد على معنى حديثه الذي هو ليس أهلًا له؛ بينما استمر "رمضان" في الحديث:
-«تعالى شوف البلكونة آخر حاجة».
هز "عمر" رأسه مُرحِبًا بفراره من حديثه الذي أوجع ضميره قليلًا.. سار خلفه نحو الشرفة، ولكن توقف الآخر فجأة عندما آتاه إتصال، فأشار لـ"عمر" على مكانها قائلًا:
-«إدخل إنت الأول يا أستاذ عمر، هرد على المكالمة دي وأجيلك».
-«تمام».
عقب "عمر" ونفّذ ما قاله بالفعل وخطى داخل الشرفة بعد أن فتح بابها، توجه نحو السور ونظر للأسفل قبل أن يحول نظره جانبًا ليجد فتاة تجلس بالشرفة المجاورة له، واتخذ الأمر منه ثوانٍ حتى يُميزها بسبب خفوت الضوء من حولهما.. فاتسعت ابتسامته الثُعبانية، وهلل بصوتٍ مسموع لها:
-«ايه دا يا سبحان ﷲ.. يا محاسن الصدف... إيه يا بنتي إنتِ ورايا ورايا كده!».
انتفضت "حورية" من مجلسها ما إن استمعت لصوت شخص يقتحم خلوتها مع نفسها، واتخذ الأمر منها حوالي دقيقة لتستوعب أن "عمر" هو من يقف أمامها الآن!
فقد توهمت من فرط صدمتها أنها تهلوس برؤيته بسبب تفكيره به!
اقتربت من السور الذي يفصل بينهما وهمست بعدم استيعاب:
-«إنت هنا بجد!؟».
غمز لها مُشاكِسًا:
-«لأ كده وكده».
غطت فمها بكفها بدهشة، وسرعان ما سألته بعصبية:
-«إنت بتعمل ايه هنا؟».
استقام بوقفته ورد مُتفاخِرًا:
-«هبقى جارك يا ستي».
-«نـعـم!!!».
صاحت باستنكارٍ، ثم تشدقت بعدم فهمٍ:
-«جاري إزاي يعني؟ جاري ليه!؟».
تنهد بعدم رضا ورد يُناكفها:
-«تؤ تؤ دي مش أخلاق طالبة بتحترم المدير بتاعها لأ!».
تمسكت بالسور الذي يفصلها عنه، وقرَّبت وجهها من شرفته تهتف بشراسة:
-«مديري في المدرسة مش هنا! وياريت تبطل هزار وتقولي بتعمل ايه هنا بجد!؟».
تكتف أمامها ببرود وسألها:
-«مش مصدقاني يعني؟».
هزت رأسها إيجابًا بقوة، فحمحم ونادى بعلو صوته على أبيها، لتتراجع خطواتها للخلف تلقائيًا بعدم تصديق، خاصةً حين دلف والدها للشرفة وأصبح يجاوره في وقفته، فتوسعت عيناها ذهولًا قبل أن تعقد حاجبيها بعدم فهم لما يحدث من حولها.
بينما تحدث "رمضان" لـ"عمر" متسائلًا عما يريده، قبل أن يبصر "حورية" فسألها:
-«إنتِ بتعملي إيه هنا يا حورية؟».
عكست سؤاله في استنكارٍ واضح:
-«هو ايه اللي بيعمل إيه هنا يا بابا؟».
وضع "رمضان" يده على ظهر الآخر شارِحًا:
-«أستاذ عمر حابب يسكن هنا في الشقة دي، مش كده يا أستاذ عمر؟».
نظر له "عمر" مؤكدًا:
-«طبعًا.. الشقة عجبتني أوي».
أعاد نظره لها مستطردًا في مكرٍ لمع في عينيه المشاغبتين:
-«وموقعها كمان حلو أوي».
حدجته "حورية" بوجهٍ ممتعض، ثم تجاهلته وسألت والدها بجمودٍ:
-«طب حضرتك هتيجي دلوقتي يا بابا عشان أقول لماما تحضر الغدا؟».
-«لأ يا حبيبة أبوكِ كلوا إنتم، أنا هتأخر».
أومأت برأسها، ثم غادرت الشرفة دون أن تشيعه بأي نظرة مما أغاظه بشدة..!
التفت لأبيها الذي سأله:
-«إنت قولت عايز الشقة ضروري.. بس هتقعد فيها إزاي دلوقتي وهي فاضية كده؟».
مط شفتيه بضيقٍ مُفكِرًا لما لفت نظره إليه والدها، ثم قال بعد بُرهة:
-«خلاص مش مشكلة.. هروح أقعد في أوتيل النهاردة، وبكرا إن شاء ﷲ هفرش البيت».
صمت لثوانٍ وتشدق بحرج:
-«معلش يا معلم رمضان لو مش هتقل عليك.. متعرفش حضرتك أو المدام حد يجي ينضفلي البيت قبل ما أفرشه؟».
ربت "رمضان" على ظهره، مُطمئنًا:
-«سيب الموضوع ده عليا».

مُقيَّد بسلاسل عِشقك | ملك هشام شاهينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن