الفصل الخامس عشر ♡

7.3K 143 66
                                    

الفصل الخامس عشر ♡
-"مُقيَّد بسلاسِل عِشقك".

أوصـل "حمزة" "سليم" إلى منزله، وعلامات التسلية تعتلي ملامحه الخبيثة، مُتحمسًا لتلك المفاجأة التي تنتظر ذاك المُشاغب.. "عمر".
لقد جاء من سَيُربيه على حقٍ كما يستحق هو.. فهو قد سـاء وضعه إلى حدٍّ كبيرٍ لا يُمكن السكوت عنه بعد الآن.. رغم أنه قارب على كسر حاجز الخمسة وعشرون عامًا.. ألا أن تصرّفاته الطائشة تجعله يبدو كمراهق في الخامسة عشر من عمره، ويحتاج إلى تأديبٍ خاصٍ من نوعهِ!

لم يخلو الطريق من أحاديثهم الطويلة عن شتّى الأشياء التي لم يسعهم الحديث عنها في السنوات الماضية، وتجنَّب "حمزة" الحديث عن "نجمة" تمامًا، وعمّا حدث بينه وبين "أرسلان" مؤخـرًا وإعترافـهُ له.. حتى وصلا إلى منزل "سليم"، فترجلا من السيارة سويًّا، وصعدا عدة سلالم صغيرة حتى أصبحا يقفان أمام الباب من الخارج، فاختبأ "سليم" في نقطة غير مرئية حتى فُتِح الباب وظهرت من خلفه الخادمة، فرفع "حمزة" سبابته أمام شفتيه يأمرها في صمتٍ بالسكوت، ثم أشـار لـ "سليم" الذي ظهر فجأة بجانبهِ، فكتمت الخادمة شهقة فلتت منها بكف يدها، قبل أن تتمالك نفسها وتُرحِّب به في حبورٍ ونبرة خافتة:
-«أهلًا يا سليم باشـا، نورت مـصـر والدنيا كلها».
ابتسم "سليم" ورد:
-«ده نورك يا سهير».
عاد وسألها بترقُّب حماسي:
-«فين ماما؟».
دلَّته على مكانها، فسار بصحبة "حمزة" الذي سبقه إلى الداخل؛ كي يَحبُك الأول مفاجأته، دلف "حمزة" غرفة المعيشة بعدما آتاه صوتها يسمح له بالدخول، فوقفت "نيرمين" فورًا تُرحِّب به بحرارة:
-«حـمـزة، إزيك يا حبيبي؟ إيه المفاجأة الحلوة دي؟».
مال "حمزة" يُقبِّل يدها التي مدتها نحوه في نُبلٍ، ثم استقام في وقفته، يقول بصوتٍ غلب عليه السعادة:
-«لأ النهاردة مش أنا المُفاجأة!».
عقدت حاجبيها بعدم فهمٍ، فحمحم بصوتٍ عالٍ، يعطي "سليم" الإشـارة الخضـراء للدخول، وبالفعل التقط الآخر إشـارته، ليقتحم الغرفة مُسبِّبًا فوضى بصوته العالي الذي اشتاقت له جُـدران هذا المنزل الذي تربى به:
-«وحـشـتـيـنــي!!».
شهقة عالية شقت صدرها ما إن أبصرت الغائب الغالي يتجسَّد بشحمهِ ولحمهِ أمام عيونها المُتَّسِعة، فنطقت اسمه في ذهولٍ ارتكز بنبرة صوتها التي بُحِّت فجأة:
-«سِــلــيــم!!».
أسـرع "سليم" نحوها، ثم عانقها رافعًا إياها من على الأرضية، قبل أن يدور بها حول نفسه في سعادة لا مثيل لها تغمرهما غمـرًا مؤثِّـرًا.
أنزلها "سليم" أرضًـا، فرفعت كفيها المرتعشين من هـولِ المُفاجأة، تحاوط وجهه بعدم تصديقٍ، رغبةً في التأكُّد من وجودهِ، وكأن هذا العناق المجنون لم يكُن دليلًا كافيًّا لإثبات وقوفه أمام عينيها.. ارتجفت ابتسامتها فوق شفتيها من فرط سعادتها، فألقت نفسها في أحضانه الرحبة، تحتضنه بتروٍ هذه المرة بعدما استوعبت وجوده، تزامنًا مع هتافها:
-«سليم، ابني حبيبي.. إنت رجعت بجد!!؟».
شدد "سليم" من احتضانها مُتأثِّـرًا، وأنَّـب نفسه على مغادرتها خاصةً واللهاث وراء عملًا كان بإمكانه إنجازه هُنا بالقرب منها، رغبةً منه في توسُّع آفاق حلمه وعمله، رغم علمه بمدى حساسيتها ورقة قلبها المُفرطة، وتعلُّقها المرضي به وبأخيه، فتغصنت نبرة صوته وهو يرد عليها:
-«رجعت بجد يا حبيبتي، ومش هسافر تاني أبدًا وأسيبك!».
أبعدته عنها في ذهولٍ يكتنفها منذ مجيئه، وسألته بعدم تصديق، ترفض التمسُّك بحبال الأمل التي ترغب في سحبها، خوفًا من الاصطدام بخيبة الواقع:
-«إزاي؟ وشغلك!؟».
-«أنا صفيت كل شغلي هناك، وحمزة هنا ساعدني ولقالي مكان جديد أبدأ فيه شغلي هنا».
أنهى حديثه وهو يناظر صديقه ببسمةٍ مُمتنة، فبادله "حمزة" ابتسامة هادئة؛ بينما شكرته "نيرمين" بودٍ ومحبة كبيرة:
-«شُكرًا يا حمزة على كل حاجة بتعملها معانا».
تشدقت مُحدثة ابنها، وهي ما زالت مُتشبِّثة به:
-«حمزة كان واخد باله مننا كلنا في غيابك، كأنك كنت هنا بالظبط!».
نكس "حمزة" رأسه للأسفل في إحراجٍ، قبل أن يرفعها مُجددًا، قائلًا بتهذيب:
-«ده أقل حاجة أقدر أعملها، سليم أخويا مش صاحبي، وأنا بعتبركم كلكم عيلتي التانية».
انتبه لجملته الأخيرة، فسخر في سره بألمٍ:
-«أو التالتة!».
رد "سليم" مُفتخرًا بصديقه وعشرة عمره:
-«هو ده العشم برضو».
نظر لوالدته متسائلًا بلهفة:
-«فين بابا؟».
ضربت "نيرمين" جبينها بكفها، بسبب تناسيها لأمر "محمود" تمامًا، وفورًا نادت على سهير، التي آتت مهرولة وسألتها بأدبٍ:
-«أمرك يا هانم؟».
-«نادي محمود دلوقتي حالًا».
أكَّد عليها "سليم" سريعًا:
-«بس إوعي تقوليله إني هنا!».
أومأت برأسها بفهمٍ، ثم تحرَّكت تُنفِّذ ما أمرتها به سيدتها، وبعد عدة دقائق دلف "محمود" للغرفة، تزامنًا مع قولهِ:
-«نعم يا نيرمين، سهير قـ آآ...».
تصنَّم في مكانه، وبتر كلماته وهو يجد ابنه البكري، وفرحة قلبه الأولى متمثلًا أمامه، محاوطًا كتف والدته بعناية واهتمام معروف بهما دومًا.. فكادت أن تنفجر عضلة قلبه سعادةً، وهو ينطق اسمه بدهشةٍ:
-«سليم!».
ضحك "سليم" ملئ فاهه، واتجه صوبه يبادر بإحتضانه باشتياقٍ جارف، قائلًا بمشاكسة غرضها التخفيف من أجواء التأثُّـر الحزينة التي تشعره بالذنب:
-«إيـه يا أبـو سليم واقف كده ليه؟ شوفت عفريت ولا إيــــه؟».
كـرر "محمود" فعلة زوجته دون أن يدري، حيث أبعده عنه يتحسس وجهه، مُكذِّبًا عيناه التي تراه أمامها من فرط اشتياقها لرؤية محياه يحوم حولها؛ بينما نطق "سليم" بهدوءٍ تغصن بألمٍ لا إرادي:
-«وحشتني يا بابا».
اتسعت ابتسامة "محمود" وسحبه نحو عناقٍ قويّ، قائلًا:
-«حمداللّٰه على سلامتك يا ابني! مقولتش ليه إنك جاي عشان نعمل حسابنا!».
-«تعملوا حسابكم على إيه يا بابا؟ هو أنا بقيت ضيف بالنسبالكم خلاص!؟».
عاتبه "سليم"، فبرر "محمود" قوله:
-«ضيف إيه بس إنت كمان! أنا أقصد نيجي نستقبلك من المطار ونجهزلك أوضتك، والأكل اللي إنت بتحبه».
أجابه "سليم" بابتسامة خلابة:
-«متقلقش يا حبيبي، إحنا معانا الوقت كله عشان نعمل كل اللي إحنا عايزينه».
-«إنت مطوِّل المرة دي ولا إيه؟».
استفسر والده باهتمامٍ، فـ "سليم" منذ أن غادر وهو يأتِ مرة كل عامٍ إلى «مصر» في زيارة قصيرة مدتها أسبوعين فقط.. ومن ثم يعود أدراجه إلى "ألمانيـا لمُباشـرة أعماله.
رد "سليم" بتلاعب وبسمة متسلية تفترش شفتيه:
-«اممم مطوِّل جدًا».
-«هتقعد قد إيه يعني؟».
-«مــدى الحـيـاة!».
قهقه بسخافة في نهاية جملته؛ بينما صعق "محمود" وسأله بعدم تصديق:
-«يعني مش هترجع ألمانيا تاني!؟».
هـز رأسه نافيًا، فتعالت ضحكات والده السعيدة، قبل أن يجره نحو عناقٍ آخـر دام لثواني، قبل أن يقطعه "سليم" ويتساءل:
-«أومال فين عمر صحيح؟».

مُقيَّد بسلاسل عِشقك | ملك هشام شاهينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن