3

27.7K 267 0
                                    

فجأة وجدت جسدها يتوقف في الهواء .. كانت كف كارم تمسك بكتفها في قوة .. حركته السريعة منعتها من ان تسقط هي وكاميرتها على الارض .. حركته انقذتها من السقوط وربما من الموت كذلك ..

اعتدلت في سرعة وتنفست الصعداء واضعة يدها على صدرها محاولة ابطاء ضربات قلبها التي اصيبت بالجنون من الرعب .. نظرت له بامتنان لم تخفه وقالت: شكرا لك..

ولكنه كان ينظر بتركيز فائق في شاشة كاميرته، لم يقل سوى: لنعد الى العمل، لا وقت لتضيعينه.

انقلب امتنانها إلى غضب .. هي ارادت ان اشكره وهو يتعامل معها بغلظة لا مبرر لها .. ازدادت كراهيتها له لمستويات لم تبلغها من قبل..
ولكنها مع كذلك -كمحترفة- أعادت تثبيت الكاميرا وتعديل بعد بؤرتها لتلتقط ذكر وحيد القرن مرة أخرى ..

ولكن ما ان فعلت هذا حتى وجدت الذكر يبتعد عن الأنثى .. لم تعرف ماذا تفعل، ولكنها استمرت في التقاط ابتعاده على الرغم من ذلك.

بطرف عينيها نظرت ناحية كارم الذي لم ينبس ببنت شفة، ساكنا ملتصقا بكاميرته كأنه تمثال.

مرت دقائق ولم يحدث شيء .. ثم تحولت الدقائق الى ساعات ومالت الشمس للمغيب، وبدأ الظلام يزحف على السافانا.

بدون مقدمات تراجع ظهر كارم للخلف ثم ضغط عدة أزرار في كاميرته. أغلقها وطواها في حذر ثم وضعها في حقيبته وارتدى الحقيبة على ظهره. ثبت يديه وقدميه على جزع الشجرة ونزل حتى الارض في ثبات.

لم تعرف أريانا ماذا تفعل. هل تتبعه لاسفل ام تظل كما هي؟ هل انتهوا من تصوير اليوم ام سيستكملون في الساعة الباقية قبل الظلام؟ .. ام هل انتهت مهمتهم بأكملها اذ التقطوا الفيلم الذي اتوا لأجله؟

كان كارم الان يخرج الخيمة المطوية من حقيبته الكبيرة .. يفردها في موضع ذي حشائش عالية  ويثبت اعمدتها المعدنية في التربة بقوة. ثم إذ انتهى، دخل الخيمة وأغلق سحابها خلفه في هدوء.

أريانا لا تزال فوق الشجرة تسأل نفسها إن كان هذا يعني انهم انتهوا من عمل اليوم. تقول لنفسها بالتأكيد لن يشيد الخيمة إن كانوا لم ينتهوا. ولكن لماذا لم يقل هذا؟ ولماذا لم يساعدها على النزول من الشجرة العالية؟ ولماذا أصيب بالخرس فجأة بعد انقاذه لها من السقوط؟!

قررت أن تتجاهل كل تلك الأسئلة المنطقية. اطفأت كاميرتها ووضعتها بحرص داخل حقيبتها. ارتدت الحقيبة وتمسكت بجذع الشجرة ونزلت بحذر كما تعلمت في تدريبها وكما كان كارم يفعل منذ قليل.

مشت ناحية الخيمة الصغيرة وفتحتها ثم دخلت لتجد كارم مستلقيا مغمض العينين داخل كيس نومه. هل نام بهذه السرعة؟ ..
نادته في خفوت: كارم .. هل انت نائم؟ .. هل انتهينا اليوم؟

اجابتها انفاسه المنتظمة، إذا فلا بد من انه من هؤلاء الذين ينامون بمجرد وضع رؤوسهم على الوسادة .. حسنا .. ربما تعرف منه في الصباح ..

على بواقي ضوء الشمس المغادر، اخرجت كيس نومها وفردته ثم اغلقت سحاب باب الخيمة وانسلت داخل كيس النوم.
هي ليست مثله للاسف .. تحتاج بعض الوقت لتستحوذ مملكة النوم على عقلها .. قالت لنفسها انها يجب ان تكون سعيدة .. كانت ستموت اليوم، ولكنها لا تزال حية .. ولكنها لم تكن سعيدة للغاية، ولا تعرف لمَ ..
كعادتها، اخذت تبحث خلف مشاعرها .. ما تفعله دائما هو تحليل كل شعور لتعرف سببه .. كل شعور وراءه فكرة ما .. دائما ..
إذا لماذا هي ليست سعيدة لتلك الدرجة التي من المفترض ان تكون عليها؟ .. هل خوفها لا يزال يطغى على سعادتها؟ .. هل لان كارم هو من انقذها؟ .. هل لانها لا تستسيغ مهمة السافانا هذه منذ البداية؟ .. هل لأنها لا تحب الحياة بالقدر الكافي فلا تهتم ان عاشت او ماتت؟

تواصل حبل افكارها لبعض الوقت، واذ كانت على شفا النعاس شعرت بتعالي صوت تنفس كارم .. هل هو يحلم بكابوس من نوع ما؟

ولكن فجأة ملأ صوت كارم الخيمة .. لم يكن صوته هادئا باردا كعادته، بل كان غاضبا ثائرا بشكل لم تتخيله .. كان يقول: أيتها الغبية .. سقطتك تلك ضيعت عليّ سنة كاملة من التحضير...

ساڤانا (+١٨)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن