5

27.2K 250 0
                                    

ولكن كفه عادت في سرعة لتحيط بفمها وتكتمه، وشعرت برأسه تقترب منها وانفاسه ترتطم بأذنها وهو يهمس: اخرسي ايتها المعتوهة .. هناك شيء يقترب خارج الخيمة...

اتسعت عيناها في ذعر، إذ كانت صوت حركة الاعشاب بجوار الخيمة يؤكد ما قاله كارم ..
تسارعت ضربات قلبها في جنون اذ اقترب الصوت من خارج الخيمة .. انحبست انفاسها تلقائيا وتجمدت يد كارم على فمها كجزء من جسده المتصلب تماما..

ودون مقدمات هز الادغال زئيرا صاخبا انخلع له قلبها .. زئيرا بدا ان صاحبه كان على بعد امتار فقط من الخيمة ..
هنا رأت يد كارم الأخرى تسحب في صمت تام خنجرا كبيرا من حقيبته ، وراقبت صدره الذي يغلو ويهبط في توتر لا مسبوق..

للحظات توقف الكون تماما، وبدا شكلهما كإحدى لوحات العصور الوسطى .. امرأة ممددة دون حراك وفوقها رجل يكتم أنفاسها بيد ويمسك خنجرا حادا باليد الأخرى ..
لم يكن الامر يسمح بأدنى قدر من الطرافة وربما ولا حتى التفكير، فما هي الا ثواني ويتحدد مصيرهما. ليس مستقبلهما المهني هو ما يخشون تأثره هذه المرة بل حياتهما بأكملها..

صوت الأعشاب خارج الخيمة مرة أخرى .. هل الصوت أكثر خفوتا هذه المرة أم انهما يتوهما؟ .. هل معنى هذا ان ذلك الحيوان يستعد للانقضاض ام انه يبتعد؟
قطع الزئير أفكارهما مرة أخرى، ولكنه هذه المرة كان بعيدا .. لا يزال مخيفا ولكنه بعيد .. وهذا يعني .. يعني  انه ذهب .. يعني انهما سيظلان أحياء .. لبعض الوقت على الاقل...

لعدة دقائق لم يتحرك كارم .. عقله ادرك ان المفترس ابتعد وانهما اصبحا في أمان نسبي .. ولكن جسده لم يكن قد اقتنع بعد .. لازالت كفه على فمها واصابعه تقبض بشدة على الخنجر .. ضربات قلبه تبدو كالقنابل من شدة قوتها وملابسه غارقة في شلالات عرقه المتساقط ..

عندما سمعا الزئير الثالث ادركا ان المفترس بعيد بالفعل هذه المرة .. أخيرا عاد جهاز اريانا التنفسي للعمل .. انتظرت ان يزيل كارم يده الملتصقة بفمها و لكن كارم بدا كتمثال لا يتحرك ..
في هدوء حاولت ان تزحزح كفه فإذ به يوجه لها بصره كأنه يراها لأول مرة .. عيناه السوداءان كانتا تحملان أطنانا من التوتر ..
توقفت عن زحزحة يده وربتت عليها في خفة .. رمشت عيناه وتغيرت نظرتهما كأنه يستيقظ من سبات، ثم نزع كفه عن فمها وسقط جسده ممددا بجانبها ..

لنصف ساعة او اكثر لم ينبس احدهما بحرف .. فقط كان صوت تنفسهما العالي هو الصوت الوحيد ..

في النهاية سألها في خفوت: هل أنتِ بخير؟

تنهدت وقالت: نعم .. وأنت؟

قال: بخير..

ساد الصمت مرة اخرى، ثم قطعته هي قائلة: هل .. هل يمكن ان يأتي مرة اخرى؟

قال: ربما .. وان كنت لا اظن .. لو كان لاحظنا لم يكن ليغادر .. ذكريني ان اشكر صناع هذه الخيمة الذين جعلوا قماشها مموها كجزء من الادغال يخدع حتى الحيوانات

ابتسمت وقالت: اتمنى الا يكون ان السبب هو ضعف نظر الحيوان

ابتسم هو ايضا وقال: اتمنى هذا ايضا

قالت: هل ستتصل بهم الان ليرسلوا سيارة المغادرة ام ستتصل في الصباح؟

دار بجسده لينظر لها وقال: من قال اننا سنغادر؟

تعلثمت ثم قالت: لقد كنا على وشك ان نُلتَهَم بواسطة حيوان مفترس، هل تظن انني سأظل هنا يومين اخرين حتى يأتي و يأكلني بالفعل؟

اخرج هاتفه من حقيبته والقاه بجانبها في عدم اكتراث قائلا: تفضلي، يمكنك ان تتصلي ليأتون ويقلوكِ. اما انا فلن اغادر قبل ان ألتقط ما جئت لأجله.

ثم أدار ظهره متجاهلا اياها .. تماما....

ساڤانا (+١٨)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن