وكأنها تفعل ذلك طوال حياتها، نفضت جسدها بغتة ولوحت ذراعها بالخنجر في ثبات وقوة ناحية رقبة كارم...
"ماذا تفعلين يا مجنونة؟!"
كانت هذه صيحة كارم المستنكرة. برغم المفاجأة لكن جسده ،الذي اعتاد رد الفعل السريع، انثنى للخلف في سرعة باعدا عنقه عن النصل المخيف. ثم مد أصابع يده اليمنى ليقبض على معصم أريانا ويثنيه بقوة ليجبرها على اسقاطه على أرض الخيمة.وجدت أريانا أنها فقدت سلاحها الرئيسي والوحيد، ولكنها لم تستسلم. وكيف تستسلم والاستسلام يعني الموت ذبحا وسط الأدغال؟!. لذا تركت معصمها الأيمن في يده وأرسلت يدها اليسرى صائدة وجهه بأظافرها الطويلة.
برغم الظلام وبرغم اتجاه جسده المعاكس، إلا أن كارم نجح بالكاد في ابعاد وجهه عن أظافر أريانا المسنونة، فلم تنجح إلا في خدشه فقط.
ثم أمسك معصمها الأيسر بيسراه وشد يديها لتتقاطعان فوق صدرها ، ثم قفز ليسند ركبتيه على الأرض محيطا بهما ما تبقى من جسد أريانا.
في لحظة أدركت أريانا أنها أصبحت مشلولة الحركة تماما ومكبلة بواسطة قاتل متسلسل ووحيدة في الأدغال. كان هذا أسوأ كوابيسها. ولكنها لم تكن من تلك الفتيات اللاتي تستسلمن للذعر. إن كانت ستموت فسوف تموت وهي تقاتل.
هكذا أخذت يداها تحاول التملص من يديه القويتين، وأخذت ركبتاها تحاول ركله في خصيتيه.كان كارم يكاد ينفجر من الغضب والغيظ. أحكم إمساكه بمعصميها وضيق المسافة بين فخذيه ليثبت جسدها ويمنعها من ركله.
ثم صاح فيها بصوت آمر ثابت النبرات: "اهدأي .. اهدأي"ولكن أريانا لم تكن تريد أن تهدأ. وجدت نفسها قد صارت غير قادرة على تحريك أي جزء في جسدها فأدركت انها النهاية. لن تعود إلى أهلها وأصدقائها ولن تحظى حتى بحلقة وثائقية على نتفليكس.
بكل طاقة العناد المتبقية صرخت في وجه كارم: "لتذهب إلى الجحيم أيها القاتل القذر أنت وكاميرتك الغبية"
نظر إليها كارم لثوان بوجه بلا تعابير، ثم نقل عينيه بين الخنجر الملقى على الأرضية بجواره وبين وجه أريانا، ثم انفجر في الضحك بشكل هستيري.
تجمدت أريانا للحظة وسألت نفسها إن كان قد جُنّ. ثم أجابت على نفسها بأن هؤلاء القتلة غير مستقرين نفسيا وهم مجانين بالفعل.
ولكن العجيب ان كارم ترك معصماها، وأزاح فخذه ليحرر قدماها أيضا. كل هذا دون أن تتوقف هستيرية ضحكه.
تفاجأت هي بما حدث، ولكن عينها لمحت الخنجر الملقى بجوارها ففكرت أنه لا وقت لتحليل جنون كارم، كل ما عليها الان ان تلتقط الخنجر وتنهي خطتها كما أرادت من قبل.
لكن قبل أن تمد يدها للخنجر وجدت كارم يقول من بين ضحكاته: هل ظننت أنني أريد أن أقتلك؟
تجمد عقلها لسؤاله .. لهجة السؤال أصابتها بربكة لم تعتدها. برغم الضحك الذي يتخلل حروفه كان السؤال منطقيا ويحتاج إلى إجابة منطقية أيضا. هل ستكون الإجابة بنعم بها أي نوع من المنطق؟.
ثم وجدت كارم يتابع بينما صوت ضحكاته يهدأ: هل حقا كنتِ ستذبحينني لمجرد ظن سيء؟
ارتج على أريانا. صدمها السؤال. هل حقا كانت ستقتل كارم بالخنجر؟. فجأة بدا سيناريو كونه قاتل متسلسل غارقا في الخيال والسذاجة.
ولكن الجزء العنيد في عقلها جعل لسانها يقول له: ولكنك قلت انك ستقتلني إن لم تلتقط ذلك الفيلم الذي كنت تريده.استرخى كارم في جلسته وهز رأسه مبتسما ثم رفع سبابته ووسطاه، وأشار على سبابته قائلا: أولا، لقد كانت مجرد مزحة. لم أكن أتخيل أنكِ قد تأخذينها حرفيا.
ثم أشار إلى وسطاه وقال: وثانيا، هل كنت تظنين كل هذا الوقت أن الفيلم قد ضاع بتحطم الكاميرا؟
ثم أدخل أصابعه في جيب سترته وأخرج كارت ذاكرة ضئيل وأردف باسما: كروت الذاكرة دائما تكون مؤمنة بعناية داخل جسم الكاميرا، ظننتك تعرفين هذا.سقط فك أريانا السفلي من صدمة الاكتشاف المفاجيء. دون تمهيد وجدت ضوء الحقيقة الساطع يعمى عينيها. معلومة صغيرة لا تعرفها جعلت عقلها يرسم قصة تتعدى كل حدود المنطق. لقد كادت أن تقتل كارم بالفعل. مليمترات بسيطة كانت تفصل النصل عن عنقه. كارم كان سيتحول إلى جثة وكانت هي ستتحول إلى قاتلة. في خيالها رأت نفسها جالسة داخل الخيمة والدم ينبجس من رقبة كارم المغروس فيها الخنجر حتى اخره فيغرق يداها والخيمة والعالم بأكمله.
هنا لم تعد تحتمل. كل ضغط وتوتر هذه الثلاثة أيام وصل للذروة. انهار السد الذي كان يحجز مشاعرها فجأة لتجد نفسها تنفجر في البكاء.
لم يعرف كارم ما الذي ينبغي عليه فعله. كانت أريانا منحنية على الارض وجسدها يهتز من البكاء ودموعها تسيل على أرضية الخيمة. كارم الذي عاش في الصحاري والبحار والغابات وفي أسوأ الاماكن والظروف، ارتبك أمام ينابيع الدموع التي تفجرت بشكل أخافه أكثر من مخالب أي مفترس قابله في حياته. الأسوأ أن بكاء أريانا لم يقل مع الوقت بل اشتد.
لم يجد كارم أمامه سوى أن يربت على كتفها برفق، ولكن بدا ان هذا لا يجدي أيضا. قرر أن يرفعها قليلا من كتفيها حتى تهدأ قليلا.
ولكن ما أن اعتدل جسدها تلاقت عيناها بعيناه، وللحظة أدركت أن هاتان العينان المشعتان بالحياة كانتا ستظلمان للأبد جراء خطتها الحمقاء. انفجرت شلالات دموعها بصورة أشد وفقد جسدها تماسكه مع الفكرة ليسقط في المكان الوحيد المتاح أمامه، في حضن كارم...
![](https://img.wattpad.com/cover/325218261-288-k753292.jpg)
أنت تقرأ
ساڤانا (+١٨)
Romanceمصوران، رجل وأنثى، يعملان لقناة ناشيونال چيوجرافيك. يصوران حدثا نادرا للحياة البرية في حشائش الساڤانا. ولكن الأحداث تضطرهما للاقتراب سويا، وربما أكثر من اللازم.