الفصل الثالث عشر

895 103 61
                                    

الفصل الثالث عشر

_شعور أكبر من الواجب_

أخطر أنواع الوحدة هي التي تشعر بها بين أهلك فرغم كل المحيطين بك والذين تجرى دمائهم في شرايينك إلا أنك تشعر بالغربة بينهم وقد رأوك جماد لا روح فيه تتقهقر ذاتك وتذوى بينما يعاملوك وكأنك....لا شيء.
وقتها تصبح الوحدة رفيقاً لك...
كرمال متحركة تبتلعك في جوفها...
أو كعاصفة ساكنة تنتظر الوقت المناسب لتطيح بحياتك...
تضرب بأعاصيرها سلاماً ظننته دائماً.....
ستهب تلك العاصفة حين تدرك أن هناك من البشر من تمنحك صحبتهم دفئاً ظننته مستحيلاً....
وقتها ستترك عاصفتك لتمحو كل معتقداتك السابقة وقد صارت واهية هشة لا أساس لها....
لتنتهي هذه العاصفة وقد أعدّتك لتصير شخصاً آخر ....أفضل بكل تأكيد.

كانت لأول مرة في حياتها تستشعر جو العائلة حين يجتمعون حول مائدة واحدة، ورغم خجلها في البداية من هذا الرجل المُسنّ _الذى يجلس على رأس الطاولة_ إلا أنه احتوى خجلها بروحه الطيبة المرحة وجعلها تشعر وكأنها حقا بالمنزل....

أفاقت من شرودها على صوت الرجل العجوز وهو يقول بحنان:
-إتصلتى بعيلتك يا إيمان وطمنتيهم عليكى؟

لمحة من الحزن تسللت إلى عينيها لم تخفى عن أعين هذا الرجل المُحنك ليتأكد من ظنه وهي تجيب بصوت مضطرب :
-أيوة ..لأ..بصراحة محبتش أقلقهم..ولا حابة كمان أكون ضيفة تقيلة عليكم أكتر من كدة، أنا هقوم أمشى.....

-أنا مقصدتش كدة على فكرة ،أنا بس أب وعارف شعور الأهل لما ولادهم يغيبوا من غير أي خبر يطمنا عليهم.

أطرقت (إيمان)برأسها قائلة بهمس حزين :
-لأ من الناحية دى إطمن محدش فيهم هيقلق عليا،ده لو حسوا بغيابى أساساً.

-بتقولى إيه يابنتى؟

رفعت وجهها إليه قائلة بهدوء:
-مبقولش حاجة يا عمى، بس أنا فعلاً مضطرة أمشى عشان أطمنهم بنفسى ومتشكرة قوى على حسن ضيافتكم وذوقكم معايا.

قالت (بسمة )بخيبة أمل:
-هتمشى بسرعة كدة قبل ما تشوفى عرايسى؟

مالت تربت على أنفها قائلة:
-بلاش الوش الجميل ده يكشر يابسبس،هشوفهم ياستى قبل ما أمشى،قومى يلا ورينى فين عرايسك الحلوين دول؟

-فى أوضتى.

ثم جذبت يد (إيمان)مردفة:
-يلا بينا.

نهضت (إيمان)بعد أن نظرت إلى الجد بابتسامة معتذرة بادلها إياها بابتسامة حانية، وما إن التفتت حتى توقفت وقد تجمدت أطرافها جميعاً تطالع هذا الذى وقف متسمراً بمكانه يطالعها بدوره ،كم بدت رائعة بدون مساحيق التجميل التي تخفى ملامحها البريئة، لقد كان يظنها فاتنة ولكنها صارت أكثر فتنة، وما هذا الذى ترتديه؟!! فستان زوجته الراحلة؟!!!!

حسنا...لا بأس ...هو بالتأكيد أفضل ألف مرة من أن تتجول فى منزله ترتدى الفستان الذى كانت ترتديه بالأمس ،أفاق من شروده على صوت صغيرته وهي تقول :
-كويس إنك جيت يا بابا، تعالى معانا عشان نفرج طنط إيمان على عرايسى.

قِسمتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن