أولًا

154 17 8
                                    

مذكراتي العزيزة أهلًا مرة أخرى ..
سأبدأ بإزالة الستار عن ماضيي
أشعر أنكِ يا مذكراتي العزيزة ستقوديني إلى هلاكي
لكن بذات الوقت .. أشعر أنني لا أملكُ شيئًا لخسارته

بدأ كل شيء حين شهدت مقتل والديّ
كنت عائدًا من تجولي في شوارع حيّنا الفقير
كنت أجري كما لو أن شيطانًا يحاولُ النيل مني
وذلك بسبب صوت إطلاق سمعته
ظننت أنه قتال عصابات ، أو أي هراء لا يهمني
دفعت الباب و استنجدت بوالدتي لتهدئ من روعي
لم يرد عليّ أحد
كان المكان كئيب ومظلم على نحوٍ غير معتاد
اعتدتُ على ظلامٍ ما ... حيث الفقر والغضب
لكن هذا الظلام كان ... مخيف
كان الصوت الوحيد الذي يسيطر على أذنيّ هو صوت نبضات قلبي
كنت ألهث أثر ركضي بسرعة
سرتُ أقاوم رعشة قدماي ... حتى وصلت إلى غرفة المعيشة
رأيتهم
رأيت الدماء التي حاوطت أجسادهم الساكنة
رأيت أطرافهم المبيضّة
رأيت الذعر بعينيهم
كما كان بعينيّ
أردت الصراخ لكني لم أستطع
انهمرت دموعي بصمت
قدماي لم تقوى على حمل ثقلي
كان المكان صامتًا على نحو مخيف
وحشة اقتحمت المكان
أرتعش جسدي أثر بكائي
لقد بكيت لفقدهم
أمي وأبي
تذكرت حين تمنيت أن أعيش دونهم ، وحدي حيث لا يمكن أن يجدوني
أمنيتي تحققت حين أدركت كم كانت حمقاء
أشعر بالندم الشديد
وسط يأسي وبكائي شعرت بيد تمسكُ ذراعي وتسحبني إلى خارج الغرفة
ثم إلى خارج المنزل بأكمله
لم يكن سوى سيباستيان
" اهدأ ارجوك اهدأ "
لقد كان متشتت كثيرًا ، لم يستطع السيطرة على بكائي او علي
لا يُلام فهو طفل أيضًا لم يبلغ سنته السابعة عشر بعد
كان سيباستيان أشهر الفتية في حيّنا الفقير ، كان يساعد الجميع و يحبه الجميع
لم تعرف كلمة لا الى لسانه سبيل
" سيباستيان أنا خائف "
بعد أن هدأت اخيرًا همست بها ومن ثم عدت إلى بكائي مرة أخرى
اصطحبني سيباستيان الى منزل عائلته الحقير ، وهناك بكيت حتى غلبني النوم

أتذكر أحداث هذا اليوم جيدًا أتذكر كل شيء حتى التفاصيل البسيطة
حالما استيقظت وجدت الجميع نائمًا
كان سيباستيان نائم على الارض بلا غطاء او وسادة
يبدو انه قد تبرع لي بهم
كان المنظر بائس ، فهم لا يحتاجون الى طفل آخر ليرعونه
ولذلك هربت
لقد التزمت الصمت و سرت على رؤوس اصابعي
حتى وصلت الى باب المنزل الغير مقفول
فتحته وهربت
حسنًا انا اسف لسيباستيان و أيضًا ممتن
ولأنني كذلك فقد جعلت هروبي عربون شكر
كنت مدرك بأنهم لا يستطيعون رعايتي وأن اصطحاب سيباستيان لي كان خطأ فادح .. فبعدها ستزداد ظروفهم سوءًا ولن يكونوا قادرين على طردي
ولذلك هربت
على الرغم من سوء ظروفي إلا أن هذه كانت المرة الاولى التي شعرت بها بالشفقة على نفسي
انا لا املك اي شيء الان
لا عائلة لا مال لا منزل
فقط امتلك هذه الملابس القذرة
أخذت اتجول بالشوارع ببؤس
كان شعور مقرف ، كنت اشعر بالقرف ولم اقدر على الاستفراغ
كان كل شيء مقرف
فقدت عائلتي ومنزلي ،
ملابسي متسخة وقذرة ،
اشعر بالاعياء والصداع
اشعر بالجوع ،
قلبي يؤلمني بشدة ،
اشعر بالبرد يتخلل عظامي
ولكن أقرف شعور مررت به هو عجزي
فما باستطاعتي القيام به ؟
هذا كثير جدًا على طفل بعمري
لما أعاني هكذا ؟
هذا غير عادل
اثناء سيري في الشارع وحدي
رأيت صندوقًا فارغ في دهليز ما
وقلت بداخلي
" حسنًا هذا فراشي لليوم "
حشرت نفسي في ذلك الصندوق خلف سلة القمامة
و حضنت جسدي بيديّ لأدفئه
و عدت للنوم مرة أخرى
اضطررت للنوم مرة اخرى لأتهرب من امور كثيرة
اولها كوني جائع وآخرها لأخرس هذا العقل الصاخب الصغير
تمنيت قبل أن يخطفني عالم الأحلام
أن يحدث لي مثلما حدث مع بائعة الكبريت
أن أموت بهدوء دون اهتمام أحد

عن بقية الأطفال .. كان هناك دائمًا شيء يميزني
وهو وعيي
كنت أتصرف كالبالغين وأفكر مثلهم
قد تُستَغرَب ردة فعلي التي قد تكون باردة او بالغة
قد يُستَغرَب صمودي هذا
فطفلٌ بعمري كان سيبكي و يعتمد على سيباستيان
يا مذكراتي العزيزة
يبدو أنني فقدتُ سيطرتي على قلمي
وبتُّ أكتبُ دون تفكير
اغفري لي عشوائية كلماتي
ارجوكِ .. فلتخفي مشاعري التي خُطَت على أوراقكِ
وتنتظري موعدكِ مع قلمي

مذكّرات مَنفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن