سابعًا

50 10 7
                                    

مذكراتي الصديقة
أنا مرهق جدًا
هل ستستمعين إليّ اليوم ؟
كما دومًا ؟
أستدَعيني أملئ صفحاتكِ كما دومًا ؟

كنت قد أنهيت كل تلك الدموع
بدأت اعوّض تلك الثواني التي ضاعت ببكائي
بمجاهدتي لإلتقاط نفس
ما إن دخلت هذا المنزل
أُعلِن إنهزامي
تنفست الصعداء ومن ثم هممت بالوقوف
لن أبقى جالسًا بإنكسار للأبد
لقد ذهبا فلماذا أبحث عن أثرهم ؟
لم يفكرا بي فلماذا أنا أفعل ؟
كانا قد قررا تركي في هذا المكان المقرف
لأعيش بحقارة وذل
لقد كرهاني ولكني لا أستطيع حتى أن أكرههما
لا يسعني سوى البكاء بضعف
هذا ما جعلاني أصبح عليه
بكّاء عاجز
سألومهم على كل خطيئة تحدث في حياتي
وكل ذنب أقترفه
سيكونون السبب في كل شيء
وسأحاول حتى أفعل ..
سأحاول أن اكرههم
حتى أقدر على ذلك
هل سأقدر ؟
هل سأجرؤ ؟
ولما لا ؟
ألم يكونا من حوّلا حياتي لجحيم ؟
ألم يكونا من جعلاني أردد حالما أصبح وحالما أمسي
" ليتني لم أولد "
تمتمت بها و انا أسير عائد إلى منزل ليونيل
وكل هذه الأسئلة تضج برأسي الصغير
كنت قد وصلت
تنهدت بثقل كبير
وكأن الهواء قد نفد
فتحت الباب
كان من المفترض قول لقد عدت
وكان من المفترض أن أعاقب على تأخري
لكني تجاهلت كل ذلك وذهبت للأعلى
ياللغرور ، أتجاهلهم وهم سبب معيشتي حتى الان ؟
سمعت روزا بعد رؤيتي اصعد الدرج
"هذا الشقي الغير مهذب ! "
" دعيه يا روزا لابأس "
" لا تدللـه كثيرًا ليونيل سيصبح رجلًا وقح !"
" لا بأس اليوم فقط روزا ! هيا عودي لعملك "
تجاهلت كل ذلك
لم يكن لي طاقة
كان ذلك اليوم الذي أدركت فيه
أنني وحيد تمامًا الآن
رميت جسدي على السرير
وبقيت انظر الى السقف هناك
بقيت هكذا لساعة ربما .. لا أعلم
كنت أنظر ولا أرمش إلا قليلًا
كان من المفترض أن أحفظ كل تفاصيل ذلك السقف
لكني لم أعلم أن هناك شق بسيط سوى بعد حين
ولم أعلم أن لونه كان سكري وليس أبيض
كنت حاضر جسديًا في تلك الغرفة
لكن ذهني غائب تمامًا
كما لو أنني فاقد الوعي
أو في غيبوبة طويلة
أو ربما ميت
افاقتني طرقات على الباب
لكني لم أجيب ولا أعلم لماذا
يبدو أن الطارق لا صبر لديه
فكان قد فتح الباب
ورآني في تلك الوضعية
" ماذا هل مت ؟ "
كان ليونيل
لم أراه لكني شعرت به يبتسم
" مابال كل هذا الحزن ؟ لأي جحيم ذهبت لتعود هكذا ؟ "
جلس بقربي على السرير
وظلّ يحدق بي ينتظر ردي
" إدوارد هل يمكنك أن تخبرني ؟ "
كنت ساكنًا مستلقي
نصبت عينيّ على السقف
شعرت أنني لو نظرت سينهار صمودي
" لقد ذهبت إلى قبر والديّ "
صمتَ لوهلة
وبنبرة هادئة مُطمّئنة قال
" أتعلم إدوارد ؟ لقد سمعت أحدهم يقول
حين يموت والديّ المرء .. يبكي "
عضضت شفتي التي قد ارتجفت
واغرورقت عينيّ بالدموع
شهقت
وبكيت
مرة اخرى
ياللأسف !
لم أكتم بكائي
لم أحتمل كتم ذلك اكثر
بكيت حتى أصبح بكائي نحيبًا
كنت قد غطيت ملامح وجهي بذراعي
ولازلت مستلقي
" لا بأس .. لا بأس "
ربت على رأسي
وبقيَ صامتًا جلّ ما يفعله هو التربيت
حتى هدأت
اعتدلت في جلوسي
ومسحت بكفي تلك الدموع
وتنفست الصعداء
بقينا صامتين لوهلة اخرى
"أتعلم أدوارد ، حين يموت والديك .. ستبكي ..وستنكسر وستشعر أن كل شيء قد إنتهى..لكن بعد حين ، ستعتاد على فقدك لهم .. و ستشعر أن كل شيء طبيعي ،ولم ينتهي شيء .. سيتخفى حزنك في قلبك في ركن مظلم حتى لا تراه .. حينها إدوارد ، يجب عليك أن تبحث عن السعادة ، و تغوص في لذة كل شيء وتلوّن عالمك .. لأن هذا ما يجب عليك فعله ، حزنك سيحاول كثيرًا تدميرك .. سيغريك لتحوّله لغضب أو أي شعور بغيض آخر ، لا تنخدع بذلك إدوارد .. اخنق حزنك قبل ان يخنقك ، حوّله قبل أن يحوّلك .. حوّل حزنك لقوة ، فلتصبح قوي صامد لا ينهار ابدًا ، فلتفعل ذلك من أجل والديك إدوارد "
لازلت أحفظ هذه الكلمات جيدًا
كما لو كانت اسمي
التزمت الصمت كمن نسي كيف هو الحديث
" والآن .. لابد أنك جائع هيا "
ابتسم و قال ذلك حين لاحظ صمتي
استقام و توجه نحو الباب
وحالما خرج سمعته
" هيا لا تتأخر"
سيكون من المخزي تجاهل طعام روزا الشهي
توجهت نحو الأسفل خلفه مباشرة
وشعرت حينها أنني سأكون بخير
جلسنا على طاولة الطعام
و أخذا روزا وليونيل يتبادلان أطراف الحديث
وشعرت به يحوّل كل كلمة إلى مضحكة طريفة
أدركت بعد حين أنه أرادني أن أبتسم
لكني لم أفعل
لم أقوى على ذلك
عبثت قليلًا بملعقتي في صحن الحساء
كنت قد تعلمت كيف استخدمها
وبعدها هممت بتذوقه
حتى انهيته
وبعد أن انتهينا
غسلت روزا الأطباق ومن ثم ودعتنا عائدة إلى منزلها
وبقيت أنا وليونيل في غرفة المعيشة
كان يقرأ كتابًا تارة و أخرى يدوِّن في ورقة
أما أنا فكنت جالس بهدوء أحاول قراءة الكتاب
الذي سلّمه لي ليونيل لأتعلم القراءة
وكنت قد تطورت قليلًا
مخيف كيف تتحول حياة المرء بسرعة
ومخيفة أكثر سرعة اعتياده

مذكراتي العزيزة
أحيانًا تٌقال للمرء كلمات ثمينة
لكنه لا يأخذها بعين الإعتبار
وحينها يعانقه الندم
يطعن قلبه
ويشوِّه روحه
و يهمس بأذنه بخبثٍ شديد
حتى يُصاب بالجنون
أو تغادره تلك الروح المشوهة
دون أن ادرك بدأت بقول اشياءٍ غريبة
اغفري لي ارجوكِ
وكوني آمنة حتى آتيكِ بكلماتٍ اخرى

مذكّرات مَنفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن