الثالث عشر

48 9 6
                                    

عزيزتي رفيقتي
ترى ماظنكِ بالذي يصارعُ نفسه ؟
أهو ضحية ؟ أم جاني ؟

في هذه الأحداث من حياتي لنقل المبهمة أعاني من النسيان
ولذلك أنا أحاول جاهدًا يارفيقتي
أن اسردَ لكِ هذه الحياة .. لا أعلم لماذا
في غفلةٍ وجدتني أملؤكِ بكل ما يضجُّ في عقلي
حتى أمسيتُ أخبركِ لحظاتُ حياتي التي لم تغادر ذاكرتي
اغفري لي تشويشي ، واغفري لي تخبطاتي
فأنتي الوحيدة التي تجعلني أشعرُ بأنني حيّ

لا أعلم كم مرَّ على رسالة داميان
أذكر بأنني
كنت جالسًا على طاولة الطعام أراقب روزا تؤدي عملها المنزلي
وهي تدندن تهويدةً ما
كان اليوم استراحة من الفصل الخاص
وكنت قد أنهيَت عملي و سمح لي ليونيل بالانصراف مبكرًا
شعرت بالملل حينها ولم اجد ما يسليني
فبقيت اراقب روزا
اكتشفت حينها ان روزا تمتلك صوتًا جميلًا
مريح للأذنين
صوتٌ يوصف بكلمة .. تشابه العذب
" روزا "
كنت معانقًا وجنتي بكفّي
" ماذا ليو الصغير ؟ "
لم تنظر إلي وبقت تمسح الصحون المبتلة
ليو الصغير ؟
لم أجد ما أفعله كردة فعل سوى أن أهزق
" أنتِ تمتلكين صوتًا شجيًّا "
شعرت بها تبتسم دون أن اراها
" أحقًا ؟ "
" نعم لما لم تعملي كمغنية في المسارح بدلًا من تدبير المنزل ؟ "
" لا أعلم ، ولكني لم أعد أهتم لهذه الأمور الآن ..
أريد فقط أن أعيش حياة هادئة أعتني فيها بليونيل وبك "
وجد الفضول فمي منفذًا ليهرب من عقلي
" كيف بدأتي تعملين في منزل السيد ليو ؟ "
اعتدلت في جلستي بحماسٍ لمعرفة الكيف
فشابكت أصابعي و أنتصب ظهري
نشفت يداها في منديلٍ أزرق تحتفظ به دومًا
" منذ أن كنت شابة وأنا أعمل لدى عائلة ليونيل
فكنت أعتني بوالدته و منزل العائلة "
وبفضولٍ جامح أخذت أسأل أكثر وأكثر
" هل لديكِ عائلة روزا ؟ "
" نعم لدي ثلاثة أطفال "
" ألذلك أنتي تجيدين التعامل معي ؟ "
نظرت إليّ بابتسامة ثم أشاحت
" أنظر أيها المراوغ الصغير ، أنا دائمًا أناديك بالشقي ولكنك فتًا مطيع لطيف ومهذب "
اكملت حديثها
" ولكن هناك ملاحظة صغيرة جدًا "
" وماهي ؟ "
رفعت حاجبيّ دون ارادة مني
" أنك هادئ ، أنت كثير الهدوء و المراقبة بصمت
لا يجب على فتًا مثلك أن يكون هادئًا ، أتعلم لماذا ؟ "
هززت رأسي نافيًا المعرفة ، طالبًا الجواب
" لأن كل هادئ يعاني .. فالصخب في عقله سرمديّ "
سكنت بعد سماعي جوابها
وشعرت حينها بشعور المعاناة
نعم فأنا فتى هادئ تمامًا ولطالما كنت كذلك
لكن الضجة لا تغادر عقلي أبدًا
لتأتي بعض الأيام حيث أتمنى فيها الصمم الداخلي
حيث لا أسمع أفكاري ولا أسمع صوتي
لا أسمع هذه الضجة التي تحرمني نومي وسعادتي
وذاتها التي تجتاحني بجموح حين أحزن
أيقظتني من شرودي
" اين هربت بوعيك ؟ "
ابتسمت بتكلف
" إلى اللامكان ، اذًا روزا هل هم اطفالكِ ؟"
لقد كان سؤالًا غبيًا لكني أردت المعرفة
" لا ، إنهم أحفادي وأبناء ابنتي "
شعرت بصوتها يذبل وكأني أخذتها في جولة
بين الذكريات المؤلمة
علمت في تلك اللحظة أنني يجب أن أتوقف عن السؤال
ما إن فتحت فاهي لأنطق اول كلمة كمحاولتي لقتل الموقف الحرج
حتى تقاطعني روزا
" لقد وقعَت بالحب "
اغلقت فمي و نظرت إلى ظهرها بهدوء ويبدو
أن عينيّ قد كشفت مدى تأثري
" اخبرتها دومًا أنه فتًا سيئ و قبيح الاوصاف
لكنها وقفت ضدي وحاربتني فقط لتتزوج منه "
تنهدت روزا بثقلٍ شديد كما لو أن حممًا بركانية عانقت قلبها
" تزوجته ، فماتت قهرًا بسببه
وتركتني مع ثلاثة أطفال يسألونني كل يوم عن مكانها "
في نهاية حديثها شعرت بصوتها يرتجف
ولم تمر ثانية حتى رأيت كتفاها يهتزان
وظهرها منحني الى الامام
ويدها ارتاحت على جفونها
لتحميها من عار الدموع
لم أعلم ما يجب أن افعله
فبقيت ساكنًا أنتظر أي تغير في هذا الموقف
فأنا لا أعلم كيف يرتاح الباكي
لقد ترعرت في مكانٍ ما
حيث تنام بعد بكاءٍ ونحيب
دون ذرة اهتمام
بعد عدة دقائق
مسحت روزا دموعها بعد أن أدركت ماهي فاعلة
وتنفست بعمق لتستدير إلي
بوجه مليئ بالاحمرار قد رطبته الدموع
" هل أنت جائع ادوارد؟ هل تريد الغداء ؟"
وهاهي تحاول بضعف جعلي أنسى ماحدث
لتنسى هي الاخرى

مذكراتي الرفيقة
ربما
لكل امرءٍ قصة
يعاني فيها ، يبكي ، ويضحك
يتمنى دوامها و زوالها في الآن نفسه
يالهذه المشاعر
ويالهذا التضارب
فما يلبثُ المرء حتى تهوي به هذه التناقضات في وجدانه
اراكِ قريبًا بأمان

مذكّرات مَنفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن