تاسعًا

51 9 11
                                    

مذكراتي العزيزة
أنا مرة أخرى ، أشعر بالضيق في الفراغ الذي يملأ صدري
ولأتناسى هذا الشعور .. سأكمل لكِ حديثي

كان قد مر على تلك المحادثة ثلاث أسابيع
وبالفعل ، اقتربنا من فترة الدراسة وشهرها
كان قد أخبرني ليونيل بأن ذلك المعلم سيستقبلني بفصله
كان كل شيء بخلاف ذلك معتاد
عمل ، منزل ، وفي يوم الإجازة
كنت أتجول في المدينة والأحياء قليلًا
كما كنت أفعل سابقًا حين أهرب من بؤس والدي 
كنا على طاولة الطعام جالسين نتناول العشاء ونتحادث
نعم .. لقد أصبحت طرفًا في أحاديثهم
وليس فقط مستمع كما كنت
" غدًا يوم العطلة إدوارد ، أليس كذلك ؟ "
توقف عن إقحام الشوكة في فمه ليسألني عن هذا
" نعم هل تحتاجني بشيء ؟"
أنا وكما كنت دومًا
أقلِّب الملعقة في الصحن دون أن آكل
فأنا أعاني من فقدان الشهية ولا أحب الإكثار في الطعام
" ليس حقًا ، فقط أريد اقتحام خصوصيتك وتعكير يوم عطلتك "
هاهي إحدى عاداته في الحديث
ابتسم وأكمل ليونيل حديثه قائلًا لي
" لنذهب سويًا غدًا نتجول في المدينة "
اعتدت على تصرفاته وطاقته هذه
" لا مانع لدي حقًا ليونيل ، سيكون ذلك أفضل "
" سأزعجك الآن أيضًا ، ساعدني في تنظيف المكتب .. روزا كثيرة التذمر هذه الأيام "
وهاهو يبدأ في محاولة ازعاج روزا
" من المتذمر ايها الشقي ! ها قد بلغت ثلاثينك ولازلت بهذه الصبيانية ، الرحمة متى ستنضج فقط ؟! "
وهاهي تغضب كما في كل مره يزعجها
وضع ملعقته جانبًا و تصنَّع الحدة
" روزا ! لا تشوهي سمعتي هكذا ! أنا لازلت في العشرين "
كانت أفعاله الحمقاء قليلًا هذه تجعلني أشعر بالإنتماء يحاول جذّبي
كانت هذه الليالي برفقتهم تجعل قلبي يبتسم
" لابأس سأساعدك متى ما أردت و لن أعترف بثلاثينتك أو حتى اربعينيتك ستبقى دومًا في ذاكرتي ليونيل ذو العشرين "
ابتسم وكانت ابتسامته تتسع أكثر فأكثر حتى أصبح يضحك
وذلك جعلني أشاركه الابتسام
بينما روزا تنهدت بيأس وأخذت تنعتني بالشقي
وأني سأكبر لأصبح فتًا مريع بسبب هذا الطبيب المجنون
الشقي ايضًا

انتهينا من العشاء وقمنا بتوديع روزا
ومن ثم باشرنا تنظيف المكتب و كذلك غرفة المعيشة
كان يمسح الغبار من الطاولة
بينما أنا انظف المرآة
" إدوارد "
كانت نبرته هادئة والتي تعني أنه جادٌّ فيما سيقول
" نعم ؟ "
التفتُّ إليه لكنه كان مديرًا جسده ولا أرى سوى ظهره
" فلتكبر لتكن شخصًا رائع ، كن فخورًا بنفسك ... وأبذل جهدك دومًا
ولا تؤذي أحد "
سكنت لبرهة ، لم أتوقع مثل هذه الكلمات
" نعم سأفعل ، سأبذل جهدي .. أعدك "
لم أكن قادرًا على رؤية وجهه ، لكني شعرت به يبتسم

أكملنا التنظيف وأخذنا نتحدث قليلًا حتى غلبنا النعاس
" إدوارد حان وقت النوم لا يجب أن تسهر "
كان النعاس بادٍ عليّ بوضوح
" هل ستنام أنت ايضًا ؟ "
تنهد بثقل
" أن تكون طبيبًا يعني أن تودع النوم والراحة بلا عودتهما "
استقام و بدأ يطفئ اضواء المطبخ و غرفة المعيشة
" لدي بعض الاعمال لانجزها ، عمت مساءً "
" أنت أيضًا "
صعدت الدرج و اخذت امشي بترنح اثر النعاس
وصلت لغرفتي وارتميت على السرير
حتى لو كنت نعسًا منهارًا مُهلَك
خيالك سيجد الطريق إليك
لتتمرد على النعاس و يستحوذ عليك الأرق
فأخذت أفكر حين استحوذني
' ماذا سيحدث لو كانوا والديّ احياء مقتدرين الآن ؟ '
فكرة مثيرة للاهتمام
هل سأكون حينئذ سعيدًا ؟
مرتاحًا ؟
ممتنًا ؟
لم أستطع ولازلت لا استطيع الإجابة على هذه الاسئلة
شعورٌ بداخلي يمنعني من أن أتخيل وجود حبًا بقلبي لأولئك الأشخاص

مذكراتي الرفيقة
أعلم أن كل ما أخبرتكِ به ليس شيئًا مهم
لكنه لازال راسخًا بذاكرتي
أتذكر هذه الأحاديث كما لو كنت أسمعها الآن
اتسائل
هل كنت سعيدًا حينها ؟
اعتني بنفسكِ حتى لقائنا القادم

مذكّرات مَنفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن