سادسًا

45 10 7
                                    

مذكراتي العزيزة
أشعر بفراغ كبير
وحتى لا تشاركيني هذا الشعور
سأباشر ملئ اوراقك بحبري وكلماتي

باشرت عملي في عيادة السيد
كانت شخصيته مختلفة تمامًا عما ظننته
كان جادًا جدًا مع المرضى
وكذلك معي حين يتواجدون
فقط في أوقات الفراغ يصبح ليّن مرح
بعد يومين من عملي
وقد استقرت ربما الأوضاع
لا اعلم
كنت ارتب الأوراق في الرفوف
وكان يتصفح إحدى الكتب في مكتبه
أيّ بجانبي
" قل لي إدوارد هل تجيد القراءة ؟ "
" لا سيدي "
" ستصبح من الآن فصاعدًا ،
حين يكون هناك وقت فراغ في العيادة
سأحرص على تعليمك القراءة والكتابة .. اتفقنا؟ "
" حاضر "
انتهيت و أبعدت التربات عن كفيّ
ما هذا الرجل بالضبط ؟
بسببه يتحقق كل ماقد تمنيته يومًا ..
أتى مريض للعيادة فخرجت مع بعض الأوراق
من مكتبه وتوجهت الى طاولتي
وبقيت هناك أراقب من نافذتي التي تطل على الشارع
نظرت إلى المارة و إلى البنايات وإلى السماء
كانت الغيوم حينها جميلة
تبعث شعور السلام والطمأنينة
شعرت حينها أنني
أريد العودة إلى المنزل
أريد رؤية ماحدث
هل لازالا مستلقيان في غرفة المعيشة ؟
أريد العودة لمرة واحدة فقط
لقد هربت بتسرع حينئذ
فلا أريد أن أعيد الكرّة
أريد أن أبقى قليلًا هناك
فهل املك الشجاعة على ذلك ؟

ركض الوقت سريعًا
اقتربت الشمس من الغروب وتوديعنا
خرج السيد ليونيل من مكتبه
" إدوارد أجلب لي كوب من الماء رجاءً "
" حاضر "
استقمت و قمت بملئ أحد الأكواب بالماء
وقدمته
" سيد ليونيل هل يمكنني أن أطلب منك شيئًا ؟ "
حالما انتهى من شربه للماء جابني
" ماذا هناك ؟ "
" أريد الخروج لبعض الوقت بعد إنتهائنا هنا .. إذا أمكن"
سوف يرفض
وربما سيغضب وينعتني بالمهمل
رمقني بهدوء ومن ثم أجاب
" حسنًا ولكن فلتعد إلى المنزل قبل حلول الليل "
" حاضر شكرًا جزيلًا لك "
ازدادت نبضات قلبي وشعرت بمعدتي تؤلمني
سأعود إلى هناك !
بقي السيد ليونيل يراقب الشارع من نافذتي بينما
وقفت هناك بسكون
كلانا كان في عالمه الخاص ويعيش مشاعره بخصوصية
كان قلقي قد سيطر عليّ و بتُّ مشتتًا ومليئًا بالفوضى
" سيد ليونيل .."
همهم مجيبًا علي و لازال ينظر عبر النافذة
" إذا كان المرء حائرًا بين أمرين ماذا يفعل ؟ "
نظر إليّ باهتمام و من ثم نظر إلى الأسفل مفكرًا
" لا أفهم مقصدك "
" حين لا أريد القيام بشي و لكن أشعر بأنني يجب أن أقوم به
فماذا افعل حينها ؟ "
" همم لنرى ، دائمًا ما يقال أن المرء يجب أن يطيع عقله ومايمليه عليه
ولكن أحيانًا لا ضير من إتباع القلب أليس كذلك ؟ "
كانت هذه الجملة كفيلة بجعلي أعقد عزمي
" شكرًا سيدي "
" لا بأس "
ابتسم إليّ ومن ثم نظر الى ساعة جيبه
" ها قد حان وقت اغلاق العيادة "
خرج بعد أن اطفأت جميع الانوار و انتظرته حتى يقفل الباب
وحالما وضع المفتاح في جيبه
" اراك لاحقًا سيدي "
توجهت إلى مقصدي
حاولت وأنا اسير أن أفكر بأشياء عشوائية
لن أخاف ولن أرتجف
ولن أبكي .. يجب أن لا أبكي
هذا فقط مثير للشفقة

سرت كثيرًا و ها قد اقتربت
بعد الإنعطاف يمينًا سأدخل حيّنا
بدأت أقدامي بالإرتجاف
وها قد بان التردد
أشعر بشفتاي ترتجف
وصدري يضيق
وأنفاسي تتسارع
انعطفت يمينًا و رأيت حيّنا مرة اخرى
منازل هالكة
قمامة في كل مكان
وهدوء يعم المكان
انعطفت يسارًا ثم يمينًا و يسارًا مرة اخرى بين البيوت
وها هو منزلي
كنت سأخطو نحو الباب
حتى استوقفني ندائه
" إدوارد ! "
التفتّ اليه
" إنك حقًا ادوارد ! "
ركض إليّ وأخذني بين بيديه
" لقد كدت أموت هلعًا حين لم أجدك ! لقد بحثت عنك في كل مكان !
أين كنت بالله عليك ؟! ظننت أن مكروه قد أصابك !"
كان سيباستيان
" أنا أسف "
كدت ابكي
هل سأبكي الآن ؟
حررني من عناقه وكان وقد أنتبه اخيرًا الى
مظهري المختلف .. قميصي المصمم بطريقة انيقة
وحذائي النظيف و شعري المصفف
" ماذا حدث إدوارد أين كنت ؟ "
"أنا أسف سيباستيان "
" لماذا ذهبت دون أن تخبرني إدوارد ؟ "
" أنا ... لا أريد أن ابقى في هذا الحيّ بعد الآن
كنت قد قررت ذلك وغادرت .. كنتَ نائمًا حينها
فلم ارِد أن أزعجك بكل أموري هذه "
" تزعجني ؟ "
عقد حاجبيه و نظر إليّ بعتاب
في الواقع لم أظن ابدًا أن هذه ستكون ردة فعله
ظننته لن يهتم بهذا القدر ولكنه الآن
يحتضنني ويفرح لرؤيتي بخير و يعاتبني ايضًا
صمتنا لبرهة
كان من الواضح ماهو دافعي للقدوم هنا
" لقد دفنّاهما في مقبرة قريبة ..
و قمت بتنظيف المنزل لاحتمالية عودتك "
عانق رقبته بكف يده وأشاح بنظره
لم يمتلك الشجاعة للنظر إلى عينيّ و هو يخبرني بما قد حدث لوالديّ
حسنًا لقد حصلت على إجابة تساؤلاتي التي دعتني الى هنا
" سيباستيان .. انا بحال جيد ، كلّ ماحدث كان سريعًا جدًا وانا محظوظ بذلك ،
لقد صادفت رجل جيد و بحالة جيدة يعمل كطبيب في عيادة ما وعرضت عليه العمل لأجله .. هو أيضًا من ابتاع لي هذه الملابس وكذلك انا أشاركه المنزل .. اطمئن "
استعجلت قولي بذلك قبل أن يعرض علي أن أعود معه إلى منزلهم
وأن أعيش معهم كعبئ
" هل أنت بخير إدوارد ؟ "
بخير ؟ ..
صمتُّ لوهلة .. كيف أجيب ؟
هل أنا بخير ؟
" لا اعلم "
تفادى النظر إليّ و من ثم وكان قد بان استجماعه لقوته بعينيه
ونظر إليّ مرة اخرى
" ما قد حدث كان مأساويًا جدًا .. رؤيتك متماسك هكذا تزيدني طمأنينة
انت ستكون دومًا بخير أنا متأكد ،ذلك ما يجب أن يكون الأمر عليه
حسنًا ؟ فلتكن بخير من أجلي ادوارد "
ابتسم بدفئ .. حسنًا ابتسامته كفيلة بالنيابة عن كل تلك الكلمات المواسية والمليئة بالشفقة والاسى .. هكذا هو سيباستيان نقي القلب والروح
اومأت برأسي والتزمت الصمت
كانت قد ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيّ
" شكرًا لك سيباستيان .. على كل ماقد قدمته لاجلي
انا ابدًا لن انسى كل ذلك "
ابتسم و أومأ برأسه
بعد أن ساد الصمت مرة اخرى
نظر إلى السماء ومن ثم إليّ
" يجب أن أذهب الان ، هل سنلتقي مرة اخرى ؟ "
استعجل خطواته لكنه وقف في منتصفها يسألني
التزمت الصمت فأنا لا أعلم ماقد يحدث بالمستقبل
رد على نفسه مجيبًا
" نعم يجب علينا ذلك "
ابتسم و أكمل سيره
وها أنا قد عدت لنقطة البداية
كيف سأستجمع شجاعتي لدخول المنزل ؟
تنفست بعمق وتقدمت نحو الباب
أدرت المقبض و فتحته ودخلت
كان وقت الغروب
وضوء الشمس تغادر هو ما أنار المنزل وأبان ملامحه
خطوت بتردد
الجو هنا خانق
توجهت إلى غرفة المعيشة
كانت نظيفة كما لو أن شيئًا لم يحدث
هذا يعيد إليّ ذكريات
تضاربت أنفاسي
و شعرت بقلبي يُعتصر
بكيت
ازداد بكائي حتى أصبح مسموع
بقيت هناك أبكي
أي جمود ذلك الذي كنت ابديه ؟
اشعر بالوهن كثيرًا
أنا وحيد الآن تمامًا و أتمنى لو أنتهي
ماذا يجب علي أن أفعل الآن ؟
كيف سأعيش ؟ ولمن سأنتمي ؟
" هذا فقط كثيرٌ جدًا "
تمتمت بها و أنا أشعر بالإختناق
لقد علقت غصة تأبى الخروج
أضحى حتى التنفس صعب جدًا
" ماذا يجب أن أفعل الان ؟ "
هل سيردان علي ؟ لا اظن ذلك
فلقد تخلوا عني

مذكراتي العزيزة
هل يمكن للمرء أن يكره عائلته ؟
هل سيكون أناني ما إذا قرر نسيانهم ؟
أتسائل كثيرًا
هل حين أرغب بذلك أكون شخص سيء ؟
أعلم أنك لا تمتلكين إجابة
ولذلك .. كوني آمنة حتى لقائنا القادم

مذكّرات مَنفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن