التاسع عشر

39 9 6
                                    

مذكراتي العزيزة
كلما أتذكر ما حدث يؤلمني قلبي بشدة
ويبدأ كل شيء يذبل من حولي
و أشعر أن الحياة تكرهني

بعد فترةٍ ليست بطويلة
شعرتُ باديلان يلمح لي عن فراقه هو أيضًا
كان دائمًا ما يتحدث عن مستقبلنا سويًا
لكن أصبح الآن يتهرب من هذا الموضوع
و لا يفتحه أبدًا ، ولا يعدني كعادته بأن نبقى سويًا
لقد فهمت ما يرمي إليه ، أنا لستُ أحمقًا .. ولستُ أحمقًا إيجابي كذلك
أفهم أن صداقتي لا تعني له شيئًا بعد الآن
وكنتُ محقًا
فقد أتى إلى منزلي وطلب مني الحديث على انفراد
وقفنا عند عتبة الباب لأسمع ما سيقوله
وحين رأيت عينه تتهرب من ملاقاة عيني
علمت ما يريد قوله فلم أحتار ولم أسأل
" إدوارد ، لقد قدمت للتسجيل في جامعة في العاصمة
قبل ثلاثة أشهر ، لقد أتتني رسالة منهم قبل عدة أيام بالقبول
كما تعلم، لم يبقى شيء على افتتاحها مرة اخرى للطلاب الجدد
فلذلك يجب علي السفر بأقرب فرصة ممكنة .. كما تعلم
المسكن والاستقرار ضروريان وذلك صعب في العاصمة
لقد جهزَّ لي والدي كل شيء للسفر إلى هناك
وسأفعل في الاسبوع القادم ، لن استطيع مقابلتك في الأيام المقبلة
سأكون مشغولًا "
كنت أنظر بهدوء واستمع كذلك دون أن أنوي قول شيء
حين رأيته قد صمَت نظرتُ إليه
كنت أقول له
' لما تخبرني بكل ذلك ؟ '
بواسطة عيناي
" أسمع ، أتيتُ هنا لأودعك ، أنا سأشتاق إليك حتمًا
وسآتي في العطلات وسأزورك كذلك ! ..أنا أعتذر لاخبارك ذلك الآن ولكن، كما تعلم ..لم يكن قبولي مضمونًا ، سأشتاق إليكَ حقًا إدوارد ..أنت أفضل صديق ...وداعًا الآن ، أرجوك تمنى لي التوفيق كما أفعل "
كان يبتسم و يربت على كتفي
لم أقل شيئًا فقط اكتفيت بالتظاهر بالإبتسام و الإيماء بنعم
وحين أنتهى حديثه قلتُ
" وداعًا اديلان "
ابتسَم لي و من ثم غادر بسرعة
اختفت ابتسامتي وعدت إلى المنزل بهدوء
ها قد أصبحت بلا رفقة الآن
اديلان غادر و إيلينور لم أراها منذ النزهة
لم أعلَم إن كنتُ حزينًا أو غاضبًا
أعني ، لما لم يخبراني ابدًا بما يخططان ؟
ألستُ صديقهم ؟
ألستُ مقربًا منهم ؟
لما فقط يفاجآنني بأفعالهما
حسنًا لقد نجح ماكنا نخطط لأجله الآن وداعًا !
"هذا سخيف"
تمتمت بها بعدما تنهدت بثقل
كنت جالسًا على طاولة الطعام وروزا تضع الاطباق
" ما هو السخيف ايها الشقي ؟ "
" كل شيء ياروزا سخيف "
" بئسًا ما تنفك تتحدث بغرابة إنك فقط كليونيل ، فلتأكل فقط "
أصبحتُ أشبهه الآن في نظر روزا
" روزا ، حدثيني عن ليونيل "
قلتها ومن ثم بملل حشرت بعض الطعام بفمي
وأجابتني قبل أن تفعل المثل
" آه من ذلك الليونيل ،
عن ماذا أتحدث بالضبط ؟ لقد كان فتًا شقيًّا كثير المغامرات
كان يحب فعل كل الاشياء التي تجعل قلبي يتجمد خوفًا ،
أذكر عندما كان صغيرًا ، لقد تسلق شجرة ضخمة في حديقة
منزل عائلته ! وحين رأيته أخذ يضحك ويتجاهل غضبي
ذلك الشقي ! لقد قفز من أعلى الشجرة وتسبب بكسر في قدمه جعله طريح الفراش !"
كنتُ استمع لحديثها وآكل ، كنت مستمتعًا لمعرفة أن ليونيل سعيدًا في صغره
وفي لحظة شرود قلت
" لابد أنه كان طفلًا سعيدًا "
نظرت روزا للطعام بحزن ووضعت يدها على وجنتها بتأثر
" عن أي سعادة تتحدث ؟ كانت والدته مريضة بداء السل طريحة الفراش
نادرًا مايراها ، وحين قد اصبحَ فتًا قد وافتها المنية "
تنهدَت بثقل لتكمل
" بعد موتها بثلاث سنوات او أربع ، توفي والده أيضًا من فرط حزنه عليها
كان السيد يعشق زوجته بشدة وحين ماتت قد حزن حتى أصابه المرض ، فقتله المرض ليلحقها "
كنت اتعبثُ بطعامي بهدوء استمع لحديثها
اذًا كلانا طفلان بائسان
" لقد تأثر ليونيل بموتهما بشدة فكان ولدًا باردًا هادئًا يشبه الأموات ، لكن في فترة ما تحول وكأنه شخص مختلف تمامًا، يمزح ويضحك ويفعل كل ماهو شقي ، كنت سعيدة لرؤيته سعيدًا ، حتى أنه درس الطب ليعالج المرضى وينقذهم مما حدث لوالدته "
كيف لروزا أن لا تنتبه ؟ ليونيل لم يكن سعيدًا قط ، من الواضح جدًا انه كان يتظاهر بأن كل شيء بخير ، بالتأكيد لن يكون سعيدًا
أكره والداي وأحزن لموتهما
فماذا عن من يحبهما وقد ماتا ؟
" ليونيل رائع "
قلتها بهدوء محاولًا انهاء هذا الحديث
فقد بدأ صدري يضيق
" نعم إني أحب هذا الفتى كثيرًا وكأنه أبني ! "
أومأت مجاريًا لها بحديثها
وحين انتهيت من الطعام شكرتها وسمحت لها بالذهاب فورًا بعد التنظيف
صعدت لأعلى
وها أنا كعادتي أقف أمام باب حجرته
لكني هذه المرة لم أتجاهله وأذهب
بل طرقت الباب
وصوتًا قد أرهقَه الألم يجيب من خلفه
" تفضل "
فتحت الباب وقد مر وقت
" من هذا ؟ "
كان مغلقًا عينيه
وجهه شاحب بشدة و شفاهه متشققة
جفناه يرتجفان و صدره يعلو ويهبط يحاول التقاط نفس
يسعل بعد كل كلمة
ازداد هزلًا و نحفًا
اصبح ضعيفًا جدًا
جدًا لدرجة تؤلمني
" إدوارد "
كان صوتي يرتجف ، حسنًا لم أكن منتبهًا جدًا
فداخلي يلعن مرضه مئة مرة
" أهلًا ياعزيزي "
رفع نفسه ليسند ظهره على السرير
وكان ذلك بصعوبة
جلست على كرسي قريب من السرير
" أشتقتُ إليك كثيرًا ليونيل ، إن روزا تمنعني من الحديث معك "
ابتسَم ونظرَ إلي
" إدوارد لقد كبرتَ لدرجة تجعلني اتأثر برؤيتك "
ابتسمت بثقل ، فكل الاشياء في حياتي تشجعني على عدم الابتسام
" هل تشعر بتحسن ليونيل ؟ "
" إدوارد لما لم تأتي إلي كثيرًا ؟ "
توقعت اجابة وليس سؤال
التزمت الصمت بحرج نعم كنت آتي لكن ليس كثيرًا بسبب تحذيرات روزا
" لم أرد أن أزعجك ليونيل "
ضحك بسخرية ربما
" تزعجني ؟ أنت ؟ عما تتحدث إدوارد .. أنا أحب حديثك "
نظرت له و اشعر أن كل شيء ثقيل
وحتى أن الكلمات قد هربت فلم أجد ما أقول
" رباه ما أحزن عيناك ، قل ما يثقلك إدوارد "
ربت على رأسي كثيرًا
الحصنُ المنيع الذي كنت أبنيه في قلبي انهار
أخذت أتحدث عن كل شي حدث
واعتذر على كل حماقة قد فعلتها
وتتسلل الدموع كثيرًا وسط كلماتي
تحدثت عن كم أنا غاضب من اصدقائي
وقلت أنني حزين جدًا
وقلبي منكسر
" إني أشعر أن الفراغ يملأني ليونيل "
كان يستمع بتمعن و يربت على رأسي كثيرًا
يطمأنني و يواسيني
بدوت وكأنني
أتيتُ لهُ ليعالجني
سريعًا تبدلت احاديثنا من مشاكلي
إلى مرضه وكان يخبرني أنه يتحسن بكل تأكيد
ثم إلى أحاديث مضحكة
كنت أضحك كثيرًا وكان يبادلني
وكان في كل مره يضحك بشدة يسعل بشدة كذلك
وحين يرى أن القلق قد افترس عيناي ابتسم يطمأنني
مر وقتٌ طويل
لقد سرقتنا الأحاديث من الوقت
وأعادتنا وكانت الساعة بعد منتصف الليل
" هيا إدوارد وقت النوم "
" ليونيل إنكَ كلما تراني مستمتع تذكرني بذلك النوم البغيض "
ضَحَك
" وأنا الذي ظننتكَ فتًا كبيرًا ! ما أنتَ سوى طفلٌ الآن "
مرت لحظة هادئة بعد المزاح
" لا تحزن قلبك على أصدقائك يا إدوارد ، كل شخص في حياتك مغادر
حتى أنت ستغادر ، لا تؤذي قلبك حبًا لله "
ابتسمت إليه واومأت
ودعته و تمنيت له غدًا نهارًا طيبًا
وذهبت لغرفتي ليستبد بي ضجيج عقلي

مذكراتي العزيزة
يكون في حياتنا أشخاصٌ كالعلاج
إذا مسنا الضرر عانقونا لتشفى جروحنا
وتغادرنا الآلام
كوني بخير حتى لقاء آخر

مذكّرات مَنفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن