الرسالة الثالثة.

55 15 0
                                    

إلي دِيجَا،

أتعلمين؟ لم أكن أستطيع فهم كلامكِ عن اِعتيادكِ تجنب النظر في العيون. قلتِ أن السبب هو أنكِ وبنظرة واحدة تعلمين أكثر مما ينبغي.
كانت نظراتي أحيانًا تتلاقي مع نظرات أحدهم، فكنتُ أبتسم أو أومئ له برأسي، دون أن أري أي شيء مما تتحدثين عنه.
لم أرَ أي شيء.. ليس قبل اللحظة التي اِلتقت عيناي فيها بعيني تلك الفتاة. جعلتني عيناها أشعر وكأنها تحمل ثقل العالم بأسره. كانت الفتاة في ريعان شبابها، ولكن عينيها كانتا كما لو أنهما لسيدة عجوز تنتظر موتها بيأس بعد أن طحنت الحياة جوفها وسرقت منها كل سعادتها.
حدثتني عيناها عن كل ما مرت به. عن الفقد، والألم، والسنوات الثقال، والعالم القاسي، والحروب المضنية. حدثتني عن عائلة مفككة، وأصدقاء مزيفين، وإخوة ليس لهم وجود. عن مستقبل ضاع من بين يديها، ونظام تعليمي فاشل، وحكومة مهترئة. عن قصة لجوء وتيه في الشوارع، وبحث مستميت عن عمل. حدثتني عن كل شيء خاضته حتي لحظتنا تلك.
وقد فهمتُ مقصدك حينها. ومنذ ذلك اليوم وأنا أمشي مُطأطأ الرأس خائفًا من الأشياء التي قد أراها معكوسة في أعين الآخرين ونظراتهم.

لكِ وحدك،
مَجهُول.

(٧/٢/٢٠٢٣)

Letters From Unknown | رسَائلٌ مِنْ مَجهُولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن