الفصل السادس

102 5 1
                                    

يقفون أمام المنزل متواجهين كلٌ منهم ينظر إلى الآخر وكلٌ منهم بحال؛ فهو ينتظر بتوتر على أحر من الجمر ردة فعلها على إعترافه المتأخر وهي الصدمة ألجمت لسانها، أفاقها فقط نُباح الكلاب في الجوار.

- ماذا .. لكـ .. لكن أنتَ قلت .. قلت أنك.

- قلتُ معجبٌ بإحداهن وأعرفها منذ زمنٍ بعيد لكن لم تسمح لي الفرصه أو شجاعتي أن أكمل وأقول أنها أنتِ، أنتِ ميار هي من أحب، لا أعرف منذ متى أو كيف لا أعرف، كل ما أعرفه أني أعشقكِ حد الجنون، واقعٌ لكِ حد النخاع ولا خلاص لي منك.

- أنا .. أنا لا أعرف ما الذي عليَّ قوله .. أنا .. وداعاً.

هكذا تركته وتوارت خلف الباب الذي أغلق في وجهه.

مر يومٌ وآخر بعده وبعده وجاء يوم تخرج آسر ولم تظهر ميار حتى الأن، ولم ترد على هاتفها وحين يذهب إلى منزل جدتها لا يراها فهي نائمه، دائماً نائمه، أتعتقد أنها والكسلان أخوان ما هذا التهرب! كان آسر في حفلة تخرجه، أبويه جالسان أمامه حتى الجده فاطمه وصديقُ طفولته وليد يقف إلى جواره مُنتظرين بدأ الحفل.

أنهت ميار إمتحاناتها للمرحلة الثانويه العامه وقد حصلت على مجموعٍ رائع؛ فهي كانت ولازالت متفوقه ومجتهده دراسياً، وقد قررت أن تلتحق بكلية الحقوق، وحين ذهب لها آسر من أجل مباركتها أظهرت نفسها لبضع دقائق لم تقل فيهم شيء سوى الشكر ولم تنظر له، وحين همّت الجده بالمغادره سبقتها في الذهاب إلى غرفتها وتركته وحده حائراً.

أفاق من شروده على وكزه في مرفقه من وليد ينبهه أن اسمه قد نوديَ كي يستلم الشهاده، صعد على المنصه واستلم شهادة تخرجه و وجه نظره إلى والديه ليفاجأ برؤيتها تقف إلى جوارهم والإبتسامة تشق ثغرها ويداها لا تكفان عن التصفيق وقد كانت آخر من أنزل يده ولم تزح عينيها عنه، وقد أصبح أضحوكة الحضور بوقوفه المطول هكذا وكأنه إحدى فزَّاعات الحقول لطرد الطيور.

انتهى الحفل وبدأت الفوضى؛ فكل الموجودين من متخرجين يبحثون عن أهاليهم وأصدقائهم وقد توارت ميار عن عيني آسر، ظل يبحث بعينيه ولم يجدها فقرر الخروج علّه يلقاها وبالفعل.

- ميار، أنتِ هنا، لمَ فعلتِ بي هذا؟ لِما اختفيت هكذا ولما لا تجيبين على هاتفك.

- اهدء، أعطني فرصةً للإجابه.

- تفضلي.

- أنا أعتذر، كنت مشوشه ولم أقدر على فعل شيء أو التفكير في أي شيء سوى أنني أحتاج إلى وقتٍ من أجل تصفية ذهني وترتيب أفكاري حول كل شيء، مشاعري كانت مضطربه، في يومٍ أمر بخيبة أمل وتنهدم مشاعري كلها بإعتقادٍ خاطئ كان سببه أنتَ.

- أعتذر.

- يومها أحسست بالوحده كأني بالأمس فقدت أهلي آسر، لم يكن الموقفُ سهلاً عليّ، وفي اليوم التالي تفاجئني بأنكَ تحبني أنا! كنت في حاله من التصادم في مشاعري لم أكن أعلم هل أفرح أم لا، أصدق أم لا، ما الذي عليّ قوله أو ماذا أفعل، وأيضاً تَرقُب نتيجتي كانت ضغطاً آخر عليّ.

- وبعد تصفية ذهنك؟

- الحقيقه التي لن تتغير آسر هي أنكَ أحمقٌ كبير.

- لن أنكر.

- والأخرى أني أحبكَ وأنتَ تحبني.

- أنا أحبكِ وأنتِ تحبيني.

ظلوا لبعض الوقت صامتين يحدق كلٌ منهم إلى الآخر تارةً وتارةً ينظرون إلى الأفق.

- ماذا الأن؟

- المثلجات على حسابي؟

- وسيارة الأجره على حسابكَ أيضاً نسيت إحضار النقود من استعجالي في المجيء خشية أن يبدأ الإحتفال.

- توقيتكِ ممتاز رغم التأخير.

- لا يحق لكَ التكلم عن التأخير ها.

- حسناً غلبتيني، هيا بنا.

مُغرقي وطوقُ نجاتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن