الفصل الثامن

77 5 2
                                    

   الثالث والعشرون من شهر يناير عام ٢٠١٧م، تاريخ رحيل الجده فاطمه وإختفاء آسر المجهول وتشتت ميار وإنهيار عالمها من حولها، كل شيءٍ أضحى كئيب وخالٍ من الحياة مثلها تماماً؛ فهي صارت جسداً خاوي من الحياة تشرب القليل وتتناول الأقل فقط لكي تبقى على قيد الحياه رغم عدم رغبتها فى إكمالها، لكن عليها الاستمرار؛ فالحياة لا تقف احتراماً لحزن أحد، إن لم تَسير معها سوف تسحقك بين طياتها.

   في ذلكَ اليوم بعد إتصال ميار وإستنجادها بآسر حدَّثت الإسعاف وأخبرتهم بالعنوان، مرت دقائق لم تعرف عددها وأتت الإسعاف، حاولوا إنعاش قلبها لكن قد فات الأوان، ظلت ميار تنتحب لا تعرف ما الذي عليها فعله كل ما كانت تفعله هو الإتصال مراراً وتكراراً على هاتف آسر، لكن لا جواب، لم يأتي، قال أنه لن يتأخر، قال إن كل شيءٍ سيكون بخير، لكنه لم يأتي ولم يأتي الخير.

   تكفَّل الجيران بكل الأمور اللازمة لقيام الجنازه ونقل الجده فاطمه إلى مئواها الأخير، لم يكن الكثير من الأشخاص حاضرين؛ فهم ليس لهم سوى بعض وميار دونها أضحت يتيمةً حقاً، بقيت في المنزل وحدها لأسابيع لا تفعل شيء سوى البكاء وقد إنتقلت إلى النوم في غرفة الجده حتى وإن لم تنم من شدة البكاء كل ليله، كانت تحيا على بعض اللُّقيمات التي تأتيها من الجيران كل يوم، لم تكن تخرج أو تتحدث مع أحد، ظلت تحاول الوصول لآسر لكن لا فائده؛ فهاتفه أصبح لا يستقبل المكالمات وأرقام والديه التي لديها لا تعمل فقد حصلوا على أرقام أخرى ليست معها ولا تعرف في أي بلدةٍ هم فيها الأن، بقيت على ذات الحال إلى أن جاء يوم وبعثت لها رسالة قبولها في الجامعه التي قدمت عليها أوراقها وأنها قبلت بكلية الحقوق، فكرت أنه لم يعد لها مكانٌ هنا ولا من أحدٍ يشتاق إليها؛ فمن رحل وتخلى عنها لم يعد وإن عاد هي لم تعد في حاجةٍ إليه، ومن بات تحت التراب سوف يظل بالقلب مهما تباعدت الأجساد، وهكذا قررت الرحيل والبقاء في سكن الجامعه وإكمال دراستها بعيداً عن أي شيء يذكرها بالغائبين.

   الثاني والعشرين من شهر سبتمبر سنة ٢٠١٨م بداية عامها الجامعي الأول، كان من المفترض أن تبدأ محاضراتها اليوم لكنها فضلت أن تتجه نحو السكن أولاً وتستريح وتبدأ دوامها من الغد، أخبروها أن حجرتها سوف تكون مشتركه مع فتاةٍ أخرى ولم يكن لديها مانعٌ من هذا، كانت الغرفه تقبع في الطابق الثاني بآخر الممر على اليمين، الغرفه كانت متوسطة الحجم بها سريرين إلى جانب بعضهما تفصلهم مسافة متر تقريباً، حين دخلت الغرفه كانت فراغه من زميلتها تلك وكانت الغرفه منظمه للغايه، كانت إحدى الأسرةِ عليها حقيبة ظهر وبعض الأشياء فعرفت أنه يخص الفتاه فوضعت حقيبتها على الفراش الآخر، كان يوجد دولاب لوضع الملابس صغير الحجم حين فتحته رأت أن الفتاه الأخرى قد رتبته ليكون لشخصين؛ فهي قد وضعت ملابسها بجهة اليمين وتركت جهة اليسار فارغه تماماً، وقد وضعت بعض علاَّقات الملابس الفارغه كي يسع الشخص الآخر أن يضع ملابسه فيها، وهكذا بدأت بترتيب حاجياتها وقد استغرقها هذا ساعةً من الزمن، أخرجت بيجامه مريحه واتجهت نحو دورة المياه لكي تأخذ حماماً وحين خرجت وجدت فتاةً تجلس على المكتب الموضوع بجوار النافذه تكتب شيئاً ما بأحد الدفاتر.

- مرحباً.

- يا إلهي لقد جئتِ أخيراً، مرحباً بكِ، أخبروني منذ أسبوع أن هنالكَ فتاةٌ سوف تأتي لتشاركني الغرفه.

- أجل.

- ما اسمكِ يا عزيزتي؟ أنا أدعى نادين.

- ميار.

- اسمكِ جميل، تشرفت بمعرفتك، آمل أن نكون صديقتين مقربتين في المستقبل، أرى أنكِ وضعت أغراضك، أنا قد رتبت لكِ كل شيء لكي تكوني مرتاحةً حين تأتين، وقد حصلت لكِ على مفرشٍ جديد للفراش وأكياس نومٍ للوساده، وتوقعت أنكِ لن تحضري أول يوم فكتبت لكِ المحاضرات كي لا تُراكميها عليك، أستطيع شرحها لكِ إن أردت.

- أشكركِ جداً على كل شيء، لكنني متعبةٌ جداً وأود الخلود إلى النوم.

- بالطبع خذي راحتك، أعتذر منكِ أنا ثرثارةً جداً.

- لا عليكِ لقد ارتحت لكِ وأعتقد أيضاً أننا سوف نكون صديقتين.


.

.


وكعادة الحياة حين تأخذ شيء تعطي شيء والعكس صحيح، وها هي ميار حصلت على صديقة جديده 👭

تعتقدون ما الذي حدث إلى آسر؟ 👀

مُغرقي وطوقُ نجاتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن