4 - هروب فاشل.

421 78 31
                                        

4 -

فتحَ أوليفر باب المقعد لي وهو يتلاعب في هاتفهِ ولا يرفع رأسهِ عنهُ، فتنهدتُ بقلةِ حيلة وترجلتُ مِن السيارةِ، مرتديةً عويناتي التي قد كنتُ خلعتها أثناء وجودي داخل السيارة، تفحصتُ قصرَ العائلة بنظراتٍ عادية، لستُ مندهشة مِن فخامتهِ أو ما شابة، فالأمر اعتياديّ بالنسبة لي!

- « هيا ندلف؟ »

سبتَ أوليفر بهدوءٍ وهو يغلق هاتفهُ بزفيرٍ حاد، فهززتُ رأسي دونَ اعتراضٍ، واتجهتُ نحوَ الداخل وأوليفر إلى جانبي.. وعقلي مشتت، لا أعلم كيفَ سأكمل باقي حياتي هُنا؟ كيفَ سأعتاد؟

يُقال أن التأقلم مِن إحدى نِقاط الصحةُ النفسية السليمة، ولكن مِن أينَ أُحضر كليهما؟ .. لا أنا أعلم كيفَ يتم التأقلم، ولا أعلم طريقٌ صحيح لصحةٍ نفسية جيدة!

أشعر جديًا بانزعاجٍ دفين، وروحي تؤلمني مِن ما أنا مُقدمةٌ على فعلهِ، ولكنها الحياة! .. ألقتني في ظروفٍ مُريبة، وأخبرتني بأن أعتاد وأتأقلم!
أنا والحياة لم نتصالح سويًا ذات مرة، وهذه الصفعةُ الرابعة بعدَ الألف التي تصفعني بها على وجنتيَّ، ولكنني صامدة!

°°°°°°

جلسنا جميعًا حولَ طاولة طعامٍ ضخمة، مملوءة بأشهى أنواعِ طعامٍ قد تراهُ العين.. ولكنني لا أشعر بشهيةٍ سَليمة، فقط أشعر بالغثيان، وأن عليَّ إخراج ما في معدتي الفارغة! .. فزفرتُ ضيقًا، متلاعبةً بالطبق الذي أمامي بمللٍ، فمالَ أوليفر نحوي بعدَ أن لاحظَ صمتي التام وعدم مشاركتي لأي أحدٍ في الحديث، ثمَ همسَ لي: « هل تشعرين بالضيق؟ »

هززتُ رأسي إيجابًا ثمَ تركتُ المعلقة مِن يدي بانزعاجٍ، فحرَّكَ أوليفر كأس النبيذِ في يدهِ بحركةٍ دائرية، ومِن ثمَ احتسى منهُ قدرٌ بسيط، ونطقَ بهدوءٍ محدثًا جميع أفرادِ العائلة: « أنا ونوالا سوفَ نذهب.. »

نهضَ دونَ أن يستمع لردِّ أيٍ منهم، ساحبًا كرسيِّ المقعد الخاص بي، ثمَ مدَّ يدهِ لي، وأشارَ لي بعينيهِ أن أشبك أناملي في أناملهِ.. فتنهدتُ فاعلةً ذلك، ونهضتُ واقفةً إلى جوارهِ بثباتٍ، تحت قولِ الحرباء المُلونة ابنةَ عمهِ المُسماه " ماري " : « إلى أين أنتما ذاهبان؟ »

ارتفعَ حاجبي بغيظٍ منها، وكدتُ أن أندفع وأحدثها بطريقةٍ خبيثة توازي خبث روحها، إلا أن أوليفر قد منعني بقولهِ الموجة لها هي: « لا شأن لكِ ماري! »

ابتسمتُ بإشراقةٍ بعدَ أن ردَّها أوليفر بتلكَ اللامبالاة.. ظننتُ بالفعل أنه لن يُعيرها اهتمام، ولكنهُ فعلَ ما أرضى ذاتي أنا، هذه نقطة تُحسب لهُ في سجلهِ داخل عقلي!

شدَّدَ أوليفر مِن إمساكهِ ليدي بقوةٍ، مُلقيًا وداعٍ لهم بغمغمةٍ خافتة، ثمَ غادرنا سويًا تحتَ جهلي بالأمرِ.. حتى أصبحنا في حديقةِ الفيلا، أمام إحدى سيارات العائلة والتي أراها لأولِ مرةٍ لتوي، فسحبتُ يدي من بينِ يدهِ بسرعةٍ، وهتفتُ: « إلى أين سنذهب؟ »

حجرة ومقصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن