18 - مَوتْ.

116 32 3
                                    

18 -

قُتِل أبي، وتم إرسال رأسه لي، في صندوقٍ مُغلف كهديةٍ ثمينة! .. أين العدل في هذا، أن أشعر بالسعادة لثوانٍ بسيطة، ومن ثم أفقدها في لمحِ البصر! .. ألن أرى والدي مجددًا؟

لم أستطع تحريك شفتاي والتحدث، فقط كنتُ أصرخ، أصرخ بحسرةٍ على ما حدث، الأصوات تتداخل بعقلي، والغضب يتفاقم في صدري!

فقدتُ أبي!

أبي الذي لم يكن لي وطنًا آمنًا بالطريقة التي أردتها، ورغم ذلك.. كان أبي، أبي الذي لم أره منذ أن تزوجت، فأين عدالة الحياة هذه؟

« نوالا، حَبيبتي.. إهدأي. »

صوت أوليفر وصل لمسامعي في همسٍ خفيضٍ، لم أستمع له جيدًا من بين كل تلك الضوضاء بعقلي، فالتفتُ له، أطالعه بتيهٍ وأنا لا أستطيع إدراك شيءٍ سوى أنني الآن فقدتُ عائلتي بالكامل!

« أبي.. أبي! » نطقتُ بصوتٍ مختنقٍ، أحاول التخلص من الصخرة الموضوعة أعلى صدري، ولا أستطيع، حتى البكاء، لم يعد وسيلةً سحرية للتخلص من العذاب!

أبعد أوليفر الصندوق عني، واقترب جالسًا إلى جواري، يحتضنني بقوةٍ جعلتني أفقدُ قواي بارتياحٍ، وأبكي، أبكي لأنني بِتُ بلا أي أحدٍ إلى جانبي، سوى أوليفر، وقتل أبي يعني وجودنا بداخل دائرة الخطر!

« والدك مَن قتل أبي، بالتأكيد هو الفاعل. » صِحتُ بصوتٍ مرتفعٍ، أحاول إبعاده عني، صارخةً فيه أن يتركني وشأني، لكنه لم يسمح لي بفعل ذلك، فقط شدد من تمسكهِ بي، يحتوي حزني وغضبي.

أحملُ الآن بداخلي حقدًا ورغبةً في الانتقام، ولكن.. مِن مَن سأنتقم؟ من الهواء؟ أم الدمع الساخن الذي يحرق وجنتيَّ دون رأفةٍ بي، أبي تركني ولم يُعلمني كيف أنتقم لأحبائي من قبيلةٍ قوية وكبيرة، عائلة ماسون سلبت مني حقي في أن أمتلك أبٍ!

« هذه محاكاة لكابوسٍ مظلمٍ، لم ألتقِ بكَ أبدًا، أوليفر أنتَ وهم.. وهمٌ مطلق، اختلقهُ عقلي. »

هتفتُ بنفيٍّ لواقعي الآن، ونهضتُ واقفةً، أترنحُ في مَشيتي كالسكارى، أحتضنُ رأسي، أحاول تجاوز ما رأيتُ لتوي؛ رأس أبي؟ ماذا فعلوا به!

تساقطت عبراتي تباعًا كمطرٍ غزيرٍ لسماءٍ تبكي بعد مدةٍ طويلة من الكتمان، فشعرتُ بغشاشةٍ سوداء تستقر على عينيِّ، تبعها اختلالٌ في توازني، وما هي إلا ثواني حتى فقدتُ كامل اتزاني، وسقطتُ أرضًا، وصراخ أوليفر يخترق أذني:

« نــوالا! »

○○○○○

مؤلم هو الفقد، بمذاقٍ مريرٍ، يحفر في القلب جروحٍ، ويتركها تلتئم بمفردها، لكنها لا تزول، تظل متواجدة مهما توالت السنون؛ تُرهِق الروح فقط!

ليلةٍ طويلة، فقدتُ وعيي فيها، ولم أستيقظ سوى في الصباح الباكر، على صوتِ أوليفر وهو يتحدث في الهاتف بغضبٍ: « أخبرتك.. أريد أن أعرف مَن المتسبب في قتل والد زوجتي، وهذا أمر. »

حجرة ومقصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن