7 - قاتلُ زهورٍ!

312 50 28
                                    

7 -

- « نوالا، استيقظي، هيا! »

تسللَ صوتًا أعرفهُ لمسامعي، صوتًا هاديء ويبث للروح الطمأنينةَ، لكنني أعلم أن الطمأنينة دائمًا ما تُمحى، ويظهر بدلا عنها ظلامٌ دامس، وظُلمًا دائم.. ففتحتُ عينايَّ بوهنٍ، أعتادُ على الأضواءِ الساطعة، ثمَ نطقتُ بنبرةٍ خفيضة: « أين أنا؟ »

اتضحت ليَّ الرؤية قليلًا، وعادَ كُل شيء لأصلهِ، حتى أنني رأيتُ عينيهِ الناعسة التي يناظرني بها، فانتفضتُ جالسةً على الفراشِ بذعرٍ، متفحصةً سائر جسدي وأنا أتمتم بتلعثمٍ: « لمَ أنا هُنا، وأنتَ معي.. في.. في ذات الغرفة! »

تلقيتُ منهُ صمتًا تام، ونظراتهُ المتفحصة تجعلني أود لكمه لكمةً تطرحهُ أرضًا، ولا ينهض عن الأرضِ بعدها، إلى أن نطقَ بهدوءٍ، واضعًا كلتا يديهِ في جيوبِ بنطالهِ الكلاسيكي:

- « في غرفتكِ، بقصر العائلة، والدك بالأسفل.. سنتزوج »

حديثٌ عشوائيّ، غير مُرتب، يشعُ برودًا أشبهُ ببرودةِ القطبين، ثمَ أنهى ما قال بأمرٍ مُطلق، فنهضتُ عن فراشي بسرعةٍ، أقفُ أمامهِ وعيناهُ تراقبُ خطواتي وأفعالي، ولم أكِد أن أرفع يداي، وألكمهُ لكمةً قوية كما أود، حتى أوقفني هو بإمساك يدي، مانعًا إيايَّ مِن التهورِ، وهو يتساءل بهدوءٍ وجَدية:

- « أتفضيلن إقامة حفل الزفاف هُنا بالقصرِ، أم إقامتهُ بمدينةِ البُندقية؟ »

اتسعت مُقتليَّ، أناظرهُ بتعجبٍ مِن ما نطقَ، وكأن الزواج سيُقام عن حُبٍ متبادل بيننا، والعائلات راضية عنا بالفعل، حتى أن والدهُ يُحبني، ولا يريد قتلي!

ضحكت ضحكةً ساخرة، أسحبُ يدي مِن بينِ قبضتهِ، ثمَ دفعتهُ بعيدًا عني، أصرخ فيه بسخطٍ: « هل أنتَ أحمق يا هذا.. هل أنتَ أحمق؟ »

صرختُ بغضبٍ في النهايةِ، وأنا أتمسك بالمزهرية التي كانت على الطاولة جواري، كدتُ أن أُلقيها عليهِ، لكنهُ قاطعني صائحًا:
- « لا، أمي تُحِب هذه المزهرية! »

رمشتُ قليلًا، أنظر للمزهرية في يدي لبرهةٍ قصيرة بهمهمةٍ خافتة، ثمَ ما لبثتُ إلا أن نظرتُ لهُ بتحدٍ، وألقيتها أرضًا ببرودٍ تام، متصنعةً بعدَ ذلك الصدمة، وأنا أضع يدي اليُمنى على فمي، قائلةً:

« يا إلهي.. لقد وقعت مِن بينِ يدي بالخطأ! »

تصنعتُ الصدمةَ، وأنا أوقعتُها عن عمدٍ، فضيقَ أوليفر عيناهُ، مكورًا قبضةِ يدهِ اليُمنى بطريقةٍ جعلتني أُدرك إلى أي مدى قد وصلَ غضبهِ، فضحكتُ بخفوتٍ، أُرجع خصلةً مِن خصلاتِ شعري للخلفِ، نابسةً بنبرةٍ متلاعبة:

« هل لي بلفافةِ تبغٍ.. إن كنت تملُك؟ »

صمتَ ينظر لي بعينيهِ الناعستين، وجههُ شديدُ الإحمرارِ مِن شدةِ عضبهِ، لا أعلم هل كُلَ هذا الغضب أثرَ كسري لمزهريةِ والدتهِ المُفضلة، أم لأنني مُزعجة بالنسبةِ لهُ؟
ولكن ماذا عسايَّ أن أفعل؟ هل أُطيع كل ما يقول وينبس، وهو مخادعٌ كالثعلبِ الماكر؟ أعلمُ خطوتهِ التالية جيدًا، سيجاهد في إقناعي بإعطائهِ فرصة، وبعيينهِ تلكَ سيجعلني أضربُ بكلِ اعتراضٍ لديَّ عرضَ الحائط، وأُعطيه الثقةَ الكاملة!

حجرة ومقصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن