2 - عزيزي شجرة الزيتون!

389 62 38
                                    

2 -

عدتُ لمنزلِ عائلتي وأنا أشعر بضيقٍ مِن نفسي، ترجلتُ مِن السيارة التي توقفت أمام القصرِ، ثمَ تنهدتُ وأنا أنظر لأبي الواقف في شرفةِ غرفتهِ، ينتظرني حتى أعود.. ملامح الغضبِ تتملك مِن قسماتِ وجههِ، ويبدو أن الأمر لن يمر بسلامٍ، فضربتُ الأرضَ بقدمايَّ، ودلفتُ إلى القصرِ المَهيب، وفي داخلي نيرانٌ تكاد تحرق كل ما أدعس عليه بقدمي!

صوتُ الحرية صعبٌ أن يُطالبُ بهِ.. وأنا لا أمتلكُ صوتًا يدفعني للصراخ والمطالبة بحقوقي حتى!

وقفتُ في بهوِ القصرَ، أنظر لوالدي الذي يأتي اتجاهي بخطى ثابتة، ثمَ اقتربَ مني، واحتضنَ رأسي بيديهِ الضخمة، قائلًا بتنهيدةٍ: « حمدًا على سلامتكِ.. خفتُ كثيرًا عليكِ! »

تعجبتُ قليلًا مِن ردِّ فعلهِ رغمَ أنني أعلم بأنه لا يستطيع الغضب مني أو عليَّ، فارتميتُ داخل أحضانهِ باندفاعٍ، أُتمتم بترجي:
- « أبي.. يكفي إلى هُنا، أنا لا أريد الزواج، دعني أتزوج وقتما أشاء، وبالطريقةِ التي أحبها! »

ربتَ هو على خصلاتِ شعري، ونبسَ بهدوءٍ بعدَ أن بادلني العناق بحنانٍ:
- « أنا أعلم أين هي راحتكِ.. ستعتادين مع الوقت، الشاب الذي سيأتي إلى هُنا غدًا قد وافقتُ عليه مسبقًا، ستكوني في أمانٍ معهُ! »

في السابق.. كنتُ أرى عناق أبي الملجأ الآمن والموطن الحامي لي، ولكنني الآن أراهُ كسجنٍ مُظلم، ما إن أرتمي إليه حتى يُجبرني على أشياءٍ لا أريدها!

سحبتُ نفسًا عميقًا، مبتعدةً عن أحضانهِ بسرعةٍ، ثمَ هرولتُ مسرعةً إلى غرفتي.. وأنا أصرخ: « ليتني كنت في ذات السيارة مع أمي.. ورحلت روحي عن جسدي ذلكَ اليوم، ليتني! »

توفيت والدتي في حادثِ سيرٍ حينما كنتُ في السادسة مِن عُمري، حادثٌ مُدبر مِن أعداءِ أبي.. رحلت عنا الحياةُ منذُ ذلكَ الوقت، لم تتسنى لي محاولة الخروج بمفردي، ولم أستطيع الخروج للدراسة كما أردتُ، كان كل شيءٍ يحدث داخل جدران هذا القصر، الحراسة مُشددة، لديَّ مُساعدة، الدراسة داخل القصر ولا يجب أن أعمل، كل شيءٍ يسير وفقَ مُخطط أبي لحمايتي.. وأنا في الحقيقة لم أشعر سوى بالضجر والملل!

لطيفٌ هو أن تكون حياتكَ بينَ أربعةِ جدرانٍ، تجد ما تطلب.. لكن مع الوقت تنفر من كل شيء، فالزيادة عن الحد تجعل المرء يتشتت!

°°°°°°

صباح يومٍ جديد، تجهيزاتٍ جديدة ومُختلفة لاستقبال المُتقدم الجديد لخِطبتي، الأمر أسوأ مِن أن يُوصف، ويبدو أن مَن أتى لخِطبتي هذه المرة ثري لأبعدِ حدٍ حتى تتجهز لهُ كل تلكَ الموائد والتحضيرات!

لا أُبالي حقًا.. فمثلهِ مثلَ غيرهِ، سأرفض العرضَ.. ويفعل أبي ما يشاء، لم أعد أهتم، تنهدتُ وأنا أنظر لذاك الفستان الأسود اللامع الموضوع على الفراشِ، وبجوارهِ مجوهراتٍ باهظة الثمن، فضيقتُ عينايَّ بانزعاجٍ، ثمَ سحبتُ الفستان، ودلفتُ لدورةِ المياة، حتى أُبدل ثيابي لإعادة ذات السيناريو كما كُل ليلة!

حجرة ومقصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن