6 - ليلٌ ونهار.

375 50 23
                                    

6 -

« أوليفر »

حدثت فوضى كبيرة عقب هروبِ نوالا، ولكنني بارد الملامح.. أجلس بهدوءٍ قاتل على كرسيِّ الطاولة الوثير، أضع قدمًا فوقَ الأخرى، وأضعُ لفافةَ تبغٍ في فمي.. مستمعًا لصراخِ أبي القائل: « ألا تعلم أن هذا الأمر ضررٌ على عائلتنا؟ .. كيفَ تسمح لها بالهروب، أوليفر؟ »

نفثتُ دُخانَ التبغِ عاليًا، أنظر لوالدي ببرودٍ وهو يسير أمام عينايَّ ذهابًا وإيابًا والحيرةَ تتملك مِن خلاياهِ، حتى جلسَ أمامي، يضع يديهِ أعلى قدميهِ بقوةٍ، وهتفَ بما جعلَ مُقلتيَّ تتسع: « أوليفر.. خَيارٌ مِن اثنينِ ليسَ لهما ثالثٌ؛ إما أن تُحضر تلكَ الفتاة، وتتزوج بها.. أو تُقتل، وتُلقى جثتها في مكبِ النفايات، ما فعلتهُ تلكَ الساذجة جعلني محط أنظار الصحافةِ، وإن لم ترى القنوات الإخبارية، أنظر على وسائلِ التواصل.. وسترى! »

نهضَ واقفًا ببرودٍ وكأن ما يقول أمرٌ اعتيادي، يرمقني بنظرةٍ حادة.. ثمَ خرجَ مِن الغرفةِ، يتركني أغرق في التفكيرِ، أعلم إنه إن وضعَ تلكَ الفكرة في رأسهِ؛ سيقوم بتنفيذها بالفعل، ولن يلتفت لأي صفقةٍ بينهُ وبينَ والدِ نوالا، الأمر مُعقد.. هي لا تريد الزواج، حتى وإن كان الزواج لُعبة، وأنا لا أستطيع العيش مع فتاةٍ تكرهُ تلكَ التحكمات التي يضعها أبي على كلِ مَن يدلف إلى القصرِ.

لا أنكر كونَ أنني الوريث لعرشِ إمبراطورية ماسون، ولي قوانينٌ صارمة أكثر مِن قوانين أبي، لكن حمايةِ نوالا مِن شرهِ ستكون أمرًا مِن الصعبِ تحقيقه، لذا.. حتى وإن ألزمني الأمر، سأتعامل معها بقسوةٍ؛ لتكون تحتَ سلطتي.. ولا تفنى روحها جراءِ عنادها!

زفرتُ الهواءَ بغضبٍ، وأنهض مُلقيًا لفافةَ التبغِ أرضًا بمللٍ، خارجًا مِن القصرِ بالكامل، وقبلَ أن أستقل سيارتي بعدَ أن فتحَ لي ماركوس بابها، تسللَ لمسامعي صوتُ أبي الواقف في شرفةِ القصر: « رحلةٌ موفقة أوليفر.. واعلم أن ما يقوله والدك؛ يُنفذ. »

أوامر.. الحياة ما هي إلا أوامر، إن لم تُنفذ؛ تُقطع رأسك، وتُفصل عن جسدك!

نظرتُ لهُ ببرودٍ، واستقريتُ خلفَ مقودِ السيارة، حيثُ مقعد السائق، وهذا ما يمقتهُ أبي.. أن أقود السيارة دونَ سائق، ودونَ وجود حرسٍ معي، لكنني أنحرف عن قوانينهِ؛ حتى أثبت لهُ أنني مُستقل بذاتي.. وليسَ لهُ شأن، وفي الحقيقة هو يعلم نِقاط ضعفي جيدًا، ودائمًا ما يستطيع استغلالها بشكلٍ سيء!

في أحيانٍ كثيرة.. أشعر بالضيقِ مِن ما وقعتُ فيه برضا تامٍ، رغمَ أن أمي منعتني من الانغماسِ في ذلكَ العالم السوداوي، إلا أنني غرقتُ في محيطِ دماءٍ ليسَ لهُ نهاية، كنت أظن أنني أستطيع الخروج منهُ متى شئتُ.. لكن ظني كان مجرد هراءٍ نسجهُ عقلي؛ حتى أسير نحوَ طريقِ الهلاك بقدمايَّ!

حجرة ومقصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن