part:2

36 7 0
                                    

نظرت إلى الباب بعد ما دخلت منه عجوز بجسد ممتلئ،
ومتسترة بملابس سوداء، سمراء بملامح مريحة،
تحمل بين كفيها كأس يضم عصير برتقال،
قدمته لي بإبتسامة، وهي ترحب فيني
واخبرتني أن ابنتها المطلقة كانت قريبة من الشارع الذي فقدت وعيي فيه، شربت بضع قطرات منه بعد رغبة ولكن لأنها ألحت نهضت من السرير بفزع وقد راودني تلاشي سيارة الأجرة وابنتي إيلام فيها،
قمت بإرتداء الحجاب الذي كان ملقي بجانبي على السرير، شكرت تلك العجوز الطيب وتأسفت منها كثيرًا،
خرجت مسرعة وأنا أتخيل أن سائق السيارة قد أعادها لي، لنفس المكان خرجت من المنزل وكان جدًا قريبة ويطل على الشارع، سمعت صوت طفل ينادي
ــ توقفي... أنتِ أيتها السيدة
ألتفتت عليه وصفنت فيه وهو يقترب ويمتسك بين كفيه حقيبتي، هي ذاتها التي تشبثت فيها ونسيت إيلام
أخذتها منه بفتور، وأكملت سيري،
جلست على الرصيف وفي كل مرة تمر سيارة أجرة يرجف قلبي، وتتسارع نبضاته حتى يكاد يخرج من قوة
دقاته، أسدل الليل عباءته وذهب وبدأ ضوء النهار بالقدوم، حتى صلاة الفجر لم أصليها،
أين؟
أين أصلي؟
وأنا التي لا مأوى لها ولا منزل يحتويها،
أين أضع رأسي ساجدة وأنا أزيل كل همومي في هذه السجدة،
النعم التي أنعم الله علينا بها لا نشعر بعظمتها إلا بعد فقدها، تأكدت أن كل شيء نعمة،
بدا لي الشارع مُضيء بعد طلوع الشمس
أُلقِيت قطعة نقود بجانبي، ولا أدري من أين مصدرها
نظرت إلى مُلقيها، وكان رجلاً ذات بُنية ضخمة
طويل القامة، أسمر البشرة، حاد الملامح،
لو رأيته قبل ست سنوات لهمت فيه، وعشقته
وأصبحت شاعرة لأجله،
أجتذبتها من الأرض ورميتها لتصتدم بصدره
ووقفت بثبات،
ــ لست متسولة ولا حاجة لي بنقودك
كان صامت، ربما لم يتوقع ردة فعلي هذه
سرت بإتجاه الشركة متجاهله وجوده،
تقدمت من موظف الإستقبال وسألته،
ــ هل أتى محمد الضامري؟
حدق في وتوضحت الصدمة على ملامحي
وكأنه لا يفهم لغتي،
أجابني بعد تحديقة تعجب...
ــ محمد منذ ثلاثة أشهر وهو لا يأتي إلى الشركة
ــ إلى أين ذهب؟
ــ لا أعلم فقد قدم استقالته وأختفا تمامًا،
رفعت حاجبي حينما قال أنه قدم استقالته،
حسنًا يامحمد، اشعر أنني غلطت كثيرًا حينما ألتمست له الأعذار، فهو قد قدم استقالته وأختفا من قرارة نفسه،
شكرت موظف الاستقبال وفي حين خروجي قابلته ...
ذلك الأيمر وهو يدخل بتغطرس،
تجاهلت نظراته تمامًا وخرجت من الشركة.

نظرت إلى الشارع بعد خروجي من الشركة، وقد زاد همي وقلقي، جلست على الرصيف كما كنت جالسة،
وأنا أنتظر ابنتي، بالرغم من أن ايتخالة عودته بعد هذا الوقت بس مازال هناك طفيف أمل في قلبي،
فتحت حقيبتي لأنظر إلى صورتها،
ولكنها لفتتني النقود الموجودة،
ابتسمت ببهوت،
يالها من عجوز طيبة وحكيمة،
لم تعطني لأجل لاتجرح كبريائي،
ولكنها وضعتها دون أن أراها،
الآن أنا في الصباح... بل في منتصفه،
ولو أفكر في أن أبلغ الشرطة عن خطفها
أحتاج إلى مدة أربعة وعشرين ساعة،
تبقت ساعات كثيرة،
أنتظرت على الرصيف حتى مرت أربعة وعشرين ساعة على وصولي للمدينة،
لو أن لدي هاتف كما يمتلكون جميع المدنيين لكنت هاتفت الشرطة دون عناء الذهاب إليهم،
ولكنني أتيت من القرية،لانستعمل هواتف بل نتناقل الأخبار عن طريق ساعي البريد،
أوقفت سيارة أجرة ورؤيتي لها فتحت لي جروح،
كنت أحدق في ملامحه،وأتخيله ذلك اللعين الذي أختطف إيلام،

أوصلني إلى مركز الشرطة،
دخلت وبلغت وكان الشرطي ـ متلقي البلاغ ـ
غير مكترث لِما اقول، بل منشغل بهاتفه،
وبعد عناء مني ومحاولات أخذ معلومات وقال انصرفي سأخبرك إن أمسكت بطرف خيط، أو وجدتها،
لا أعلم لماذا فقدت الأمل من إيجادها،
بعد رؤيتي لإسلوب الشرطي،
هل هم هؤلاء رجال الأمن؟
الذين يضحون بأرواحهم من أجل المواطنين
لا أرى هذه التضحيه تبدو على ملامحهم،
قد تنتقدون حكمي السريع
ولكني بالفعل رأيت عدم الإهتمام بفقدان طفلة،
رجعت لذلك الشارع الذي فقدت فيه ابنتي،
وقد نالت مني الحيرة اين سأذهب؟
وأين أنام ؟
سرت بي الأقدام إلى منزل تلك العجوز،
ربما ملامحها الهادئة جذبتني وساعدتني لأن أطرق بابها سائلة مأوى،
لم تخيب ظني وقد رحبت فيني برحابة صدر،
ادخلتني المنزل ولم تسألني اين عائلتي، او تستفسر عن اي شيء يخص حياتي،
ما بدا لي أنها لاترغب بأن تشعرني بأنني غريبة في منزلها، لازالت من الطبع القديم،
ذات الأصالة والطيبة،
هي لحظات حتى دخلت ابنتها وهي تخلع حجابها
متذمرة من درجة الحرارة بالخارج،
حينما رأتني ابتسمت وألقيت علي السلام،
بالرغم من عمق الغربة بداخلي قد أرتحت كثيرًا من تعاملهم الراقي.

قد مضى الوقت حتى سمعت أذان العصر،
ليُطرق الباب بقوة، نظرت رِذاذ ـ ابنة العجوز ـ من النافذة
تجهم وجهها ونظرت إلى والدتها برعب،
ــ أدهم...
نهضت العجوز بصعوبة
ــ سأتولى أمره.... حاولي اخفاءها
لم أفهم شيء
ربما يخشونه،
علمت أنني المقصودة بكلمة "اخفاءها"
فقد سحبتني رِذاذ إلى السطح
وأخفتني خلفه وأمرتني بأن لا أظهر إذا أتى،
بقيت دقائق معدودة أكتم صوتي
هل وقفت على الصوت؟
فإنني أكتم كل شيء حتى المشاعر
سأصمت لا يضرني،
سمعت صوت جهوري
ــ أعلم أنها في مكان ما في المنزل ولكن اخرجوها
منازلنا لايدخلها الغرباء.
علقت الغصة في حنجرتي
لأتذكر أنني بالفعل غريبة
وليس لي الحق بالمبيت في منزلهم،
ــ هذا منزلنا ولا شأن لك بمن سيدخله
ـ كان هذا ماهتفت به رِذاذ ـ
ــ الأملاك بين يدي وأستطيع اخراجك من منزلك أنتِ ووالدتکِ وتعلمين جيدًا أن والدي لن يعارض أي قرار أقرره، ولكنني بمزاجي أنا أبقيكِ فيه.
ــ المنزل من حقي أنا ووالدتي.
ــ أوراقه معي وأستطيع أخذه، على العموم إن علمت أن الغريبة مازالت في المنزل ستخرجون جميعكم منه، عُلِم؟
لم أسمع بعدها أي كلمة ربما يتحدثون بالنظرات،
أو ربما ترمقه بنظرات حادة،
بعد ثواني نادتني بعصبية
ــ سُهاد انزلي لم يعد موجودًا
نزلت وتأنيب الضمير متملك من مشاعري،
القيت نظرة على كليهما
العجوز وابنتها وحفيدها،
نويت التحدث لتوقفني رِذاذ وتتحدث بحدة
ــ لن تخرجي وستبيتي في منزلنا حتى تجدين مأوى،
لا أريد أن أسمع أي شيء غيره.
ــ ولكنه...
ــ ولكنه لايستطيع اخراجنا
ــ لايستطيع؟.. ولكنك خشيتي أن يراني؟
أطرقت رأسها حزنًا
ــ في الحقيقة قد يلحق بك الأذى،... لا يقبل بدخول أي غريب إلى منزلنا أو منزلهم لا أعلم لِمَ.
ابتسمت ببهوت
هل ينقصني أذاه
الحياة تستسخر كل شيء لي
حتى منزل أبيت فيه كضيفة، يُعد خسارة فيني
إما كرامتي، أو مبيتي
ولكن ليس لي مكان أذهب إليه
نالت مني الحيرة فـ إلى أين المسير؟

على مَن المًلام يا إيلامُحيث تعيش القصص. اكتشف الآن