part:3

23 7 0
                                    

ـ أنا... لا أستطيع البقاء.
ــ تستطيعين ياسُهاد ستبقين رغمًا عن أنفه.
سكت لبرهه وأنا أنظر لعينيها، يالقوتها ولكن والدتها لم تحاول فيني أن أبقى، دليل أنها تخشاه
قد استضافوني ولا يهون على قلبي أن أعرضهم للأذى
ابتسمت لرِذاذ
وهمست لها...
ــ لا تقلقِ بشأني ... سأبحث عن عمل ومأوى
ــ إلى حين تجدين عمل أين تبيتين؟
رفعت كتفي بعدم حيلة، فهذه الحقيقة لا مأوى لي
ــ هل أكملتي دراستك؟
ــ لم أكملها، أكتفيت بشهادة الثانوية العامة، ولكنني أجيد الخياطة... كنت أمتلك آلة خياطة، ولكنني جُبرت على أن أبيعها لأسدد ديون والد زوجي بعد وفاته هو وزوجته.
لا أعلم لِمَ أخبرتها بذلك فلا داعي لأن تعرف
ولكن ربما لأن تتأكد أنني أستطيع فعل شي وتدعني أذهب،
أبتسمت إبتسامة جانبية،
حسنًا شركة والدي الذي يديرها أدهم هي للأزياء
ــ لا ... لا أريد مقابلته لطفًا لاتجبريني
ــ أيتها الفتاة الحمقاء هل تجدين فرصة عمل في شركة الرهاب وترفضيها ـ قالتها بشكل مازح ـ
صفنت للحظات هل أدخلها ربما أجد طرف خيط لمحمد
ــ حسنًا سأدخلها
ــ هناك مشكلة ما، نحن لانحتاج إلى مخيطة زيادة
ــ هل تسخرين مني يا رِذاذ ـ قلتها بصدمة ـ
ــ لا حقًا نحن لانحتاج، ولكني سأخرج وسن
ــ لا لن أبني سعادتي على تعاسة غيري، استحالة أن أحل محلها،
ــ لاتقلقِ بشأنها فإنها ترغب بتقديم استقالتها ويمنعها العقد الذي عقدناه بأن تبقى خمس سنين ولا يُسمح لها بتقديم استقالتها، ستتزوج عما قريب وتحتاج أن تفرغ نفسها.
أرتحت نوعًا ما فلست حقيرة لأخذ وظيفة غيري
بعد أن أرتدينا حجاباتنا خرجنا من المنزل وسرنا على
الأقدام إلى الشركة، فهي قريبة جدًا من منزل رِذاذ ووالدتها، أدخلتني مكتبها وخرجت،
ربما اتجهت إلى مكتب أخيها أدهم
أنتابني الفضول برؤيته،
وقفت والقيت نظراتي على تصاميمها كم هي جميلة
ولديها ذوق راقي في إنتقاء الموضة، كان حلمي أن أصبح مصممة أزياء، ولكن ماكتب الله لي هو أن اصبح خياطة،
قطع شرودي دخولها للمكتب
نادتني وأمرتني أن أتبعها،
شيء بداخلي أنكسر، هل أنا أتبع؟
لا ليس أنا
تقدمت حتى أصبحت بصفها نمشي سويًا
بنفس المستوى، لها الفضل في توظيفي إن قُبِلت
ولكنني لا أتبع أحد...

دخلت المكتب لأرى ذلك الرجل البغيض،
هو ذات الرجل الذي تصدق علي ظنًا منه إنني متسولة،
وهو ذلك الرجل الذي قابلته في باب الشركة، حينما دخلت لأسأل عن محمد، يالتصادف البغيض،
عبس وجهي،
رفع عينيه، عقد حاجبيه، أستعدل بجلسته، ارخى ظهره وأعاده للخلف،
ــ هل هذه هي الفتاة الجديدة التي ستوظفينها؟
ــ نعم ـ هذا ما هتفت به رِذاذ ـ
ــ هل هي صديقتكِ
ــ لقد أخبرتك بكل شيء
ــ ولكنکِ كذبتي، هذه هي الغريبة التي في منزلكم
ــ وإن كذبت ستوظفها نحن نحتاج إلى موظفة خياطة
هز رأسه وبملامح عليها أسف وهمي
ــ أعتذر لن أوظفها ولن أسمح لوسن بتقديم استقالتها
وستخرج هذه الفتاة... أأ صحيح أنتِ أيتها الفتاة لم تتسولين نقود ولكنکِ الآن تتسولين وظائف أليس كذلك؟
بلغ مني الغضب، من يظن نفسه هذا البغيض
لم ارى أمامي شيء لأرميه فيه
كان بين كفوف رِذاذ ملف سحبته منها ورميته عليه
تمنيت لو أصابه برأسه لعله يثبت عقله بدل أن يتفاداها
ــ أنتِ مُصابة بالجنون
ــ نعم إنني كذلك
خرجت وأغلقت الباب بقوة إنسان معتوه، هل يظن شركته آخر فرصة لي بالعمل،
أوقفت سيارة أجرة وأتجهت لمركز الشرطة دخلت غرفة قائدهم، الذي قدمت إليه البلاغ يومذاك،
ألقيت عليه التحية رد التحية وهو منشغل بأوراق على مكتبه،
ــ هل هناك تطور في قضية ابنتي؟
ــ أي قضية؟
ــ قضية الطفلة إيلام
ــ أعتذر ايتها السيدة لقد نسيت قضيتها، اليوم إن شاء الله سأتحرى أمرها.
ــ هل تساومني ياهذا؟
ــ الزمي حدك أيتها السيدة هذا عملي
ــ هل عملك أن تتجاهل قضايا المواطنين؟
ــ لدي آلاف القضايا، لست متفرغًا لقضيتك
ــ نعم بالفعل المواطن الفقير لستم متفرغين له، ولكنكم متفرغين لرجال الدولة ورؤسائها فقط.
خرجت وأنا أسمعه يشتم، ماهذا الوطن الذي لا انصاف فيه للمظلوم،
سرت على الأقدام وأنا اتأمل الشوارع وسيارات الأجرة
رن الهاتف الذي أعطتني رِذاذ في الصباح، بالتأكيد إنها رِذاذ لا أملك أي أرقام فيه ولم أتواصل مع أحد غيرها،
رفعت الهاتف أجبتها بهدوء، سألتني أين أنا
ــ للتو خرجت من مركز الشرطة، أتعلمين ماذا قال؟
: لقد نسيت أمرك ساتحراه اليوم،
ماذا عن قلبي الذي ينتظر خبر منهم.
ــ هذا عملهم ربما لديه الكثير من القضايا
ــ نحن في وطن الانصاف فيه ليس للمظلوم، بل لذوي المناصب العليا ولذوي الجيوب الممتلئة، نحن الفقراء لا ينصفون لنا، بل ينصفون بنا.

أكمل حديثي البكاء، الغصة التي علقت بحنجرتي
قد أفلتها الآن وبكيت بملء قلبي، حاولت رِذاذ تهدئتي
وأمرتني بأن أعود لمنزلهم، ولكن أدهم أصبح الآن يعرفني ويعلم أنني في منزل أخته،
أكملت سيري وقطعت الشوارع من غير وجهه،
لا أملك وطن
لأن لا عدل في وطني ولا وطن بلا عدل؛
لذلك نشعر بالغربة ونحن في أوطاننا.
أوقفت سيارة أجرة وقد كرهت جميع السيارات لأنني في كل مرة أصعدها أظن فيها أن إيلام بداخلها،
أوقفته بالقرب من الشركة وأنا مترددة وجدًا في أن أدخل منزل رِذاذ، وقفت في الشارع بحيرة،
وشعرت بأحد يسحب حقيبتي، كانت يد طفل
حاولت سحبها منه ولكنه مصر على أن يأخذها مني،
يريد سرقها، لن يأخذها، ليس فيها الكثير من المال
ولكن بداخلها ماهو أثمن بالنسبة لي ولا يتعوض
دفعته بعد أن سحبتها من بقوة،
وصرخت بكلمة بملء حنجرتي
حينما أتت سيارة مسرعة، اصطدمت به
اصبح ملطخ بالدم، هزيت رأسي
ماهذه المصائب التي تأتيني من حيث لا أعلم،
تشبثت بحقيبتي وهربت،
هربت بلا وجهه
إلى اللا معلوم
أعلم أن حتى في هروبي سألتقي بمصيبة جديدة
تلك المصائب قد أقسمت أن تنال مني
ركضت كثيرًا دخلت في أزقة ضيقة
هدأت قليلاً وسرت ببطئ،
تعبت كثيرًا
أشعر بتعب من كل شيء
ليس فقط من الركض، ربما تعب داخلي
تعب قلبي أيضًا،
ابنتي ضائعة
ولا منزل لي
وقد ألقيت بطفل إلى أمام السيارة
ربما الآن قد نالت منه المنية
أنا والأحزان لانفترق أبدًا، لو أنني لم أكن بالوجود لكان أفضل، هناك مقهى قديم جذبني وأنا أتخيل كوب قهوة بين كفوفي وكتاب موضوع على الطاولة، ولا أحد حولي
لا أحد، أنا فقط في مقهى قديم أسمع لأغاني فيروز
وأقرأ كتاب فيه قصايد محمود درويش، تبرد قهوتي وأنا أحدق في الكتاب واقرأه للمرة الألف،
ولكنها تخيلات، بالفعل جميعها تخيلات
فيه باب خلفي مفتوح دخلته وأنا لا أشعر بالراحة
هناك شيء يقلقني، ربما هناك شيء ينتظرني في المقهى
وربما خوفي من ملاحقة الشرطة لي.

على مَن المًلام يا إيلامُحيث تعيش القصص. اكتشف الآن